بالتّالي، وبحسب تعليم القدّيس سلوان، إنّه لأمر بالغ الأهمّيّة أن تُصقَل شخصيّتنا وأخلاقنا بمواهب الخدمة هذه ، وبعلاقتنا مع الآخر. فمن خلال أعمال المحبّة والخدمة هذه، ينمو “الشّخص” فينا (Persona). وكلٌّ من هؤلاء “الأشخاص” مختلف عن الآخر تمام الاختلاف، ويعبّر عن محبّته بطريقة مختلفة تمامًا (لكلٍّ منّا شخصيّة فريدة، وطباع فريدة تحدّدنا كأشخاص[6]).
ولو فكّرتُم في الجوهر العميق لموهبة الرّوح القدس، وفي غايتها القصوى، ستَخلُصون إلى ما اعتاد الأب صفروني أن يسمّيه “نشيدي المفضَّل”، أي مبدأ الإنسان كشخص. ولو تسألون: “ترى، ما هي خدمتي”؟ قد يجيبكم القدّيس سلوان، على الأرجح قائلاً: “يكفي أن تكونوا أنفسكم كما في محبّتكم للآخرين: فهذه خدمتكم”.
أحيانًا، قد تقتصر الخدمة الموكَلة إلينا على حضورنا الصّامت. والأب صفروني خير مثال على ذلك. ففي آخر حياته، أثقلَت الشّيخوخة كاهلَِه. صار لا يستطيع أنّ يتحدّث إلى النّاس. ولكنّ حضوره، ولو صامتًا، بدا خدمةً مهمّة لديرنا، وكذلك للعالم بأسره. لم يجد الشّرّ مجالاً له، لأنّ حضور الأب حامى عن الدّير، وعن كلّ واحدٍ منّا. هذه كانت خدمة شخصانيّته بامتياز. وأنا أعرف ديرًا يعطي فيه الرّئيس مثالاً صامتًا للرّهبان. هذه خدمة شخصانيّته، وهي أقوى من أيّة تعليمات خارجيّة وأحاديث لا تنتهي. هذه الخدمة لها مفعولٌ كونيٌّ. أسوق مثلاً آخر: أخبرَني أحدُ الرّهبان[7] أنّه أخذ يتململ ذات يوم بسبب عدم فائدته في الدّير، قائلاً: “آه، لم اعُدْ أحتمل! إنّي أحيا في التّواني حيال الله والناس. أنا راهبٌ فاشل”! فأجابه أحد الزّائرين قائلاً: “من جهتي، يكفيني أن أعرف أنّكم هنا في الدّير، أيّها الآباء، وهذا يدفعني إلى الحياة، ويقوّيني لأستمرّ فيها”.