• الانعكاس الأوّل: ما مفهوم الشّخص في الإنسان؟
ما مفهوم الشّخص في الإنسان؟ لعلّ هذاأهمّ سؤال يطرحهُ العِلم الحديث، سواءٌ في مجال علم النّفس، أم في مجال العلوم الإجتماعيّة، أم في العلوم الإنسانيّة (أنثروبولوجيا)… أَحبَّ الأب صفروني أن يردّد مرارًا على مسامعنا الكلام التّالي: “نرى في الأب سلوان نموذجًا أمثَل لمفهوم الشّخصانيّة”، أو بكلام آخر، للإنسان في حقيقته البشريّة. فمثالُه، كما تعاليمُه في الرّوح القدس، يعطينا جوابًا وافيًا عن تساؤلات كثيرة تدور حول الإنسان.
في روايته المميّزة “الدكتور جيفاغو”، يطرح بوريس باستيرناك (Pasternak Boris) السّؤال التّالي في أحد الحوارات الفلسفيّة الطّويلة: “ما هي أبرز مساهمة للمسيحيّة في تاريخ الحضارة الإنسانيّة؟” ويأتي الجواب إنّه مفهوم الإنسان كشخص (persona). قبل المسيح، لم يُعرَف “الشّخص” في الإنسان: اقتصرت الحضارة على تاريخ جماعات لا هويّةَ لها، عائشة في الألم، لا نجدُ ذِكرًا لها، بل أفرادُها غاصَتْ أسماؤهم اليوم في غياهب النّسيان. ثمّ أتى المسيح فأعطى لكلّ متألّمٍ إسمًا وموضعًا في التاريخ. لم يبقَ الإنسان مجرّد كائن من الكائنات الحيّة، إنّما أصبح شخصًا. وكيف ذلك؟ لقد قلب المسيح المقاييس الّتي تحدّد ماهيّة الإنسان، وأبدلها بقيَم جديدة. فعَظَمَتُنا أو صَغارتُنا لم تبقَ رهنَ مكانتنا الاجتماعيّة، ولا رهن نفوذنا ولا ممتلكاتنا، بل وقفًا على إمكانيّة المحبّة عندنا. وهذه المحبّة تُعطى لنا بالرّوح القدس. فالشّخص هو مَن يتجاوز أنانيّته، ويحيا من أجل الآخرين، في شرِكة منفتحة معهم. ومَن أفضل من القدّيس سلوان ليجسّد مفهوم الشّخصانيّة هذا. ففي كلٍّ منّا تتحقّق هذه الشّخصانيّة بفعل الرّوح القدس، وهي تعلّمنا المحبّة، وكيف نتخطّى ذواتنا، وانهماكنا بأنفسنا وتَمَحْوُرِنا حول أنانيّتنا، حتّى نقول: “أُحِبُّ، إذًا أنا موجود“. يكتب القدّيس سلوان قائلاً: “إنّ النّفس الّتي عَرَفتْ حلاوة الرّوح القدس توّاقةٌ لأن ينالَه البشَر كافّة، لأنّ حلاوة الرّب لا تحَتمِل أن تُصاب النّفس بالأنانيّة، بل تنعِمُ عليها بمحبّة فيّاضة من القلب“.