إنّ القدّيس سلوان يذكّرنا بجدّيّة الكنيسة الأرثوذكسيّة في نظرتها إلى العلاقات البشريّة، فهذه العلاقات لها أهمّيّة مطلقة عندها. ولو ألقينا اليوم نظرةً إلى ما حولنا، وتساءلنا عمّا هو خالِد في محيطنا، لوجَدنا الجواب التّالي: النّاس. لهذا علاقتُنا بهم خالدة أيضًا.
ويمكن أن نميّز حضور الرّوح القدس في نفس الإنسان من خلال موقفه من الناس وتصرّفه معهم.
“إذا وجدتُم في أنفسكم رحمةً تجاه النّاس، ومحبّةً تجاهأعدائكم… فهذا يشير إلى حلول الرّوح القدس فيكم”. “مَن اقتنى الرّوح القدس في ذاته، يتلهّف قلبُه ليلاً ونهارًا على النّاس أجمعين”. في ضوء هذا التّفكير يمكننا أن نسأل أنفسنا: ما هي معايير القداسة في كنيستنا؟ وكيف تتجلّى هذه القداسة، هذا الاقتناء للرّوح القدس؟ يعطينا القدّيس سلوان الجواب التّالي: “الشّيوخ الرّوحانيّون الصّالحون كلّهم متواضعون، يتصرّفون على مثال المسيح”. والحقّ إنّي على هذا اليقين من خبرتي الشّخصيّة. فقد لاحظتُ أنّ الشّيوخ الرّوحانيّين (Staretz) الحقيقيّين كافّةً الّذين شاهدتهُم في حياتي بأمّ العين لهم قاسم مشترَك واحد، وأذكر على سبيل المثال الشّيخَين الرّوحانيَّين الآثوسيَّين الأب أدريان، والأب يوحنا كريستيانكين (Krestiankin Fr John). فإذا ما بدأتَ تَتحدّثُ إليهم، وجدتَ التّواصل معهم غايةً في السّهولة، وهنا يبرز مثل الأب صفروني كلّ البروز. ينفتح قلبك إزاءه، فلا مكان لسوء التّفاهم، بل تشعر بالمسافة بينكما تتبدّد. يمكنك، والحال هذه، أن تكشف عن كلّ ما يجول في دواخلك، وجهًا لوجه، وإذا بالقلوب تتلاقى. لهذا استطاع الأب صفروني، على غرار معلّمه القدّيس سلوان، أن يتحدّث إلى أيٍّ كان، مهما تكُن جنسيّته، أو انتماؤه الإجتماعيّ، أو حالته الرّوحيّة. هذا هو التكلّم بالألسنة روحيًّا بامتياز. هذه هي موهبة التّكلّم بالألسنة، أي اللُّغات، الّتي يجود بها الرّوح القدس.