-بَربَتوا Perpétue القرطاجيّة (1شباط)
كانت في الثانية والعشرين، في صفّ الموعوظين. سألت الجند حينما أوقفوها أن يسمحوا لها بالاحتفاظ بابنها الرضيع. في الزنزانة الخانقة حيث احتجزوها، مع مسيحيّين آخرين، رأت في الرؤيا سلَّمًا تصعد إلى السماء، وأدوات التعذيب معلّقة في جوانبها. أمّا هي ، فانطلقت، وداست التنّين الذي في كعب السُّلَّم، لتصل إلى القمّة بقفزة واحدة، حيث استقبلها مصفٌّ من الشهداء يلبس البياض. ولمّا سمعت حكم القاضي، هتفت: ” الحمد لله! كنت دائمًا فرحة مَرِحة. والآن فرحتي تزداد!”
أمّا فيليسيتاس (Félicité) الحامل في شهرها الثامن، فندبَت حظَّها لأنّ موعد إعدامها تأجّل بسبب وضعها الخاصّ. وبفضل صلاة الشّهداء، سهّل الله أنّ تنتابها آلام المخاض قبل الألعاب بثلاثة أيّام. ولمّا رآها أحد الحرّاس تتأوّه، سخر منها، واعدً إيّاها بآلامٍ أفظع بما لا يُقاس. فأجابته القدّيسة: “الآن، أنا التي تتألّم، أمّا حينذاك، فسيأتلّم شخصٌ آخر من أجلي، لأنّي سأتألّم من أجله!” ثمّ ولَدَت فتاةً أودَعَتْها امرأةً مسيحيّة، وأخذت تستعدّ لجهادها الأخير…
طرحوا “بَربَتوا” أمام بقرة هائجة، فرمتها هذه في الهواء برفسة، ولمّا وقعت على كُليَتيها، سرعان ما أنزلت فستانها الممزّق، ملتفتةً إلى الحشمة أكثر من انتباهها إلى الألم. وربطت ضفائر شعرها المنحلّة، لئلاّ تبدو كالمرأة في الحداد، فيما هي وارثةٌ المجد. ثمّ ذهبت إلى فيليسيتاس لتساعدها على النّهوض. فلمّا شاهد الجمهور شرف خُلْقِهما وجمال طلعتهما، هدأ قليلاً، وأُخرِجَت الشّهيدتان من الحلبة.
…ساعة تنفيذ الإعدام، بعد أن قبّلت رفاقها قبلة السلام، أخطأ السّيّاف وأصابها بين ضلوعها، فصرخت. ثمّ أمسكت يد الجنديّ المرتجفة، وصوّبت السَّيف نحو عُنُقها…