منذ العهد القديم والربُّ يقول “كونوا قدّيسين لأنّي أنا قدّوس” (لاوي11: 44). قد يبدو الاقتداء بقداسة الله هذا مستحيلاً، مُناقضًا، وربّما مُعثِرًا، تمامًا لأنّ كلمة “قداسة” تعني “ما هو مفروز”، ما لا يمكن مشاركتُه. رغم ذلك، فمنذ العهد القديم، جعلت هذه القداسة نفسَها قابلة للمشاركة، من خلال وصايا الناموس المُعلَنَة لموسى على جبل سيناء، ومن خلال الطقوس اليهوديّة والرّموز. تلك، ولو أتَتْ مَنقوصة، هيّأَتْ شعبَ الله المختار، صورة الكنيسة، للشَّرِكَة الكاملة بين الله والإنسان في شخص الإله الإنسان، وهذه الشَّرِكة تغدو في مُتَناوَلِنا بنعمة الروح القدس.
أن نحيا مسيحيًّا يعني بالتالي أن نستجيب لنداء المسيح ونتبعه في صعوده للسَّماء، ليصير كلٌّ منّا إلهًا بمشاركة مواهب الروح القدس. ويذهب الآباء أبعد من ذلك، فيعلّمون أنّ الإنسان مدعوٌّ ليصير كلّيًّا كما هو الله، أي أن يشاركه الأبديّة والخلود، والأزليّة، لا بالطبيعة، بل بالمشاركة. “مُّتَّحِدًا كلُّه بالله كُلِّه، في تداخل تامّ، وصائرًا كلّ ما هو لله، ما عدا المساواة بالجوهر، ومتلقِّيًا الله كلًّه بدلاً عن ذاته”.
هذا هو البُعد الهائل الذي نحن مدعوّون إليه في الأتّون المُتَّقِد، أتّون الكنيسة، الذي سيحوّل حديدَ الطبيعة الإنسانيّة إلى حديد محمّى مُتَّقِد بنار الأُلوهة، من خلال الأسرار الإلهيّة والفضائل المقدّسة، ولكن من غير أن تفقد هذه الطبيعة خصائصها.
كيف أصير قدّيسًا؟