إذًا لستُ أنا لوحدي، منغلقًا على فرديّتي، مَنفيًّا في عالم سيقودني حتمًا إلى الموت والنّسيان. بل بانتمائي إلى شركة أعضاء الكنيسة الظافرة كلّهم، أكتسب كرامةً أبديّة. من خلال شركتي بالقدّيسين، أشترك في الحياة الأبديّة التي سبقوا وورثوها، أشترك في الملكوت حيث يعيشون مع المسيح. إذا فَهِمْنا هذا، تتغيّر نظرتنا كلّها إلى الحياة، ولا ننظر إلى شيئ كأنّه سخيفٌ أو عابرٌ، بل يصبح كلّ عمل وكلّ لقاء ممتلئًا من هذه الحياة الإلهيّة، هذه “الحياة الأكثر وفرةً”.
منذ أوّل عهدهم، وعى المسيحيّون شركتهم هذه مع القدّيسين، فسُمّوا “قدّيسين” لأنّهم مدعوّون إلى القداسة في جملة سلوكهم (1كور1: 2). نحن ندعو بعضنا بعضًا “إخوة”، من غير تكلّف عاطفيّ، لأنّنا أضحينا أبناء الآب السماويّ الواحد بالروح القدس مع المسيح، الذي “هُوَ بِكْرٌ بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ” (رو8: 9).
“لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي” (متى12: 50).
إنّ دم المسيح الجاري فينا يصير “الإسمنت” الذي يربط هذه الأخوّة الإلهيّة، أخوّة نختبرها في سائر نشاطاتنا المشترَكة التي يجب أن تتّصف بميزة إلهيّة إنسانيّة، ولو خارج القدّاس الإلهيّ، حتى تنقل إلينا الحياة السماويّة.
في الكنيسة، ليست علاقاتنا بشريّةً أخويّةً فحسب، تظهر من خلال التعاون والمحبّة -وقد باتا نادرَين في المجتمع العلمانيّ حيث تَحكُمُ المَصالح الشَّخصيّة-، إنّما أضحتْ هذه العلاقاتُ مَراقيَ تَصعدُ بي شخصيًّا إلى الله. إنّها مملوءةٌ من طاقات التألُّه التي تَؤولُ بي إلى “القداسة” بدَوري، من خلال اختبار الروح القدس اختبارًا حيًّا.