وجسد المسيح هذا الذي نؤلِّفُه ليس مجرّد واقع اجتماعيّ لمسيحيّين يجتمعون من أجل الاحتفال بالقدّاس الإلهيّ، إنّما لهذه الجماعة بُعدٌ عموديّ ، يشمُلُ العالم العلويّ. فالكنيسة جسد المسيح هي أيضًا شركة القدّيسين.
في أحد أقدم النّصوص المسيحيّة، “راعي هرماس”، وصفٌ رمزيٌّ للكنيسة كامرأة مُسنّة، وتأكيد أنّ الله “خلق العالم من أجل الكنيسة” ، ليتمّ فيها تألّه الإنسان. ويقول القدّيس غريغوريوس بالاماس إنّ الكنيسة هي “شرِكة – أو جماعة- التألُّه”.
إنّ الكنيسة هي “شركة القدّيسين”. هذا التعبير خاصّ بأحد اللاهوتيّين الغربيّين، وقد دخل في دستور الإيمان اللاتينيّ، دون الأرثوذكسيّ، غير أنّه يعبّر عن نظرة أرثوذكسيّة للكنيسة. فنحن لا نكتفي في الكنيسة بفرح التَّلاقي، ولكنّنا “مواطنو القدّيسين” (أفسس2: 19)، ونشعر أنّنا نساكنُهُم في ملكوت الله الحاضر منذ الآن في تاريخ البشريّة.
إن كُنتُ أحيا في شركةٍ والعالم العلويّ، وأُسْهِمُ فيه منذ الآن، فهذا يعني أنّ حياتي ليست لي، ولكنّها حياة جسد المسيح بكامله، وأنا مسؤول عنه. إذا عرفنا أن ننظر بعيون الإيمان المتجلّيّة، يمكننا أن نرى القدّيسين حاضرين في نشاطات الكنيسة كلّها، سواءٌ من خلال إيقوناتهم، أو باستدعاء أسمائهم، أو بتذكاراتهم السّنويّة، أو في أسمائهم التي نُطلقها على الأولاد، وعلى القُرى، وعلى الأشياء، طلبًا لشفاعتهم. يستحيل على المرء أن يكون مسيحيًّا أرثوذكسيًّا من غير أن يكون في شركة “القدّيسين جميعًا”، كما يقول القدّيس يوستينوس بوبوفيتش (†1979).