• البحث عن معنى الحياة
أمّا أنا، فلم تَروِ غَليلي الأدلوجات idéologies الرّائجة، وبدأتُ أبحث عن معنى وجودي. وبفضل لقاءات ومطالعات حول الحضارات الشّرقيّة التّقليديّة، اكتشفتُ أنّ المجتمع الغربيّ المعاصر هو المجتمع الوحيد الذي يدّعي أنّه تأسّس على مبدأَي التقدُّم واستقلاليّة الفرد، فيما سائر الحضارات التي عرفَها التاريخ ترتكزُ على “التُّراث” tradition ، لا بمعنى مجرّد تكرار الماضي، بل كمبدأ مُحيٍ مُحَمَّل بالمعاني، تُستقى منه القِيَم وأسباب الوجود، وهو ما يربط الناس ببعضهم، وبأسلافهِم من الناس، وبالكون، وبالله تعالى.
وإنّ بعض الاطّلاع على ديانات الشرق الأقصى، سنح لي أن أدرك كذلك أنّ معنى حياة الإنسان ليس في تكديس الخيرات المادّيّة، بل في اختبار ما يتجاوز الحياة البشريّة العابرة. هذا أثار فيّ اهتمامًا بالحياة الروحيّة، شأني شأنَ كثيرين من أبناء عصري، الذين لجأوا، ولا يزالون، إلى الشرق الأقصى، في سعيهم إلى حياة التصوّف. إلاّ أنّ تلك الحياة غالبًا ما امتزجت لديهم بالأوهام، وابتعدت عن واقع الحياة في مختلَف المجتمعات. كما أنّ تلك الكتابات الصوفيّة الشرقيّة بدت لي غريبةً تمامًا عن معنى الإله الشّخصانيّ الذي عرفتُه في طفولتي، وأحسستُ به في قلبي. فلمّا تابعتُ بَحثي، وفي نفسي ظمأٌ إلى الحقّ، صِرتُ إلى اكتشاف آباءِ الكنيسة، وطقسِ القُدّاس الأرثوذكسيّ، اكتشافَ المُعجَب المُندَهِش، وبَدا لي كُلٌّ منهما نافذَةً مفتوحةً على سرِّ الله الحيّ، والحياة الأبدّية.