فقبلَ الوصول إلى محبّة القريب الحقيقيّة، الّتي هي “أن يعطي المرء حياتَه لأجل أحبّائه (يو15: 13)، اقتداءً بالمخلِّص، علينا أن نضاعفَ جهودنا حتى نقبَل الآخر على اختلافه. وقبول الآخر يعني أن أرغِمَ ذاتي على عدم إدانته، وعدم السّعي إلى تصحيحه في كلّ مناسبة، رغبةً في إخضاعه لمقاييسي وميولي الخاصّة. لا، بل ينبغي أن أقبله كما هو.
قد يبدو هذا الموقف مُعثِرًا للذين يعترضون قائلين: “إذًا أنتركُ المجرم على هواه، احترامًا لاختلافه عنّا؟” طبعًا ليس هذا ما نقصدُه. فقبول الآخر لا يعني تبرير الخطيئة أو الخطأ، بل التعاطي والناس الّذي نعاشرُهم في حياتنا اليوميّة بما نوليه من الاحترام واللطف لإيقونة حيّة، مهما تشوّهت أو تلطّخَت بالإثم. هذه هي القاعدة الذّهبية الّتي علّمنا إيّاها الأب إيميليانوس في علاقاتنا الدّيريّة مع الناس، ولكنّها تنطَبق أيضًا على حياة الناس العائليّة والمهنيّة، إلاّ طبعًا في ما ينافي الإيمان والأخلاق.
نعبّر عن احترامنا للآخر هذا بلطفنا، وصبرنا على عيوبه، حتى ولو جلَبَت لنا الضّرَر. يقول الأب باييسيوس إنّنا في أوّل جهادنا نميل أن نفرض على الآخرين ما نفرضه على أنفسنا، ومع تقدّمنا نزداد تطلُّبًا حيال انفسنا، وبقدر ما نشعر بحضرة الله، نزداد لينًا تجاه الآخرين، ونعذُرُهم على نقائصهم.
يجب أن نضبط سَوْرات الغضَب، ونَجتنب معاكسة الآخرين، ومجاوبتهم، والدخول في مجادلات لا تنتهي لإثبات آرائنا. فإذا طرأ خلافٌ أو خصامٌ، جديرٌ بنا أن نُنذِرَ الآخر مرّةً أو مرّتيَن، ثمّ نرتدُّ عنه، ونتركُهُ يتحمّل مسؤوليّة تصرّفاته. وإذا نشبَ فيما بعد جدالٌ حول تصرّفِه أو الخطأ الّذي ارتكبه، فَلنتحاشَ انتقادَ الشخص المسؤول، وكشفَ عيوبه للآخرين، ولنتلافَ بشكلٍ عامٍّ أن نثرثر ونتناول الآخرين بلساننا ممّا يفتح الباب لخطيئة الوقيعة.