مراحل الجهاد الروحيّ
سنرى الآن كيف نجاهد هذا الجهاد الرّوحيّ، وما هي مراحل الجهاد وأشكاله في عالمنا المعاصر.
سبقَ وقُلنا إنّ المبادئ عند الرهبان، والكهنة، والعلمانيّين من المسيحيّين هي نفسها: أن نُنْكِرَ “العالم” بالمعنى الكتابيّ للكلمة، وأن نتوب، بمعنى أن نغيّر نظرتنا إلى الحياة.
يقول المسيح: “مَن يحبّني يحفظ وصاياي”(يو14: 4). ولكن ما هي الوصايا؟ كثيرًا ما تُعطيها دروسُ التّعليم الدّينيّ صفةً حقوقيّةّ يهوديّة: “إفعلْ هذا، لا تفعلْ ذاك، “لا تسرقْ، لا تقتلْ”… ما لا نفهمه جيّدًا أنّ العهد الجديد اتخّذ العهد القديم قاعدةً له، ولكنّه قَلَبَه رأسًا على عقِب. فهو يوجّه الوصايا في حركةٍ مختلفة تمامًا: “أحبّوا أعداءكم… صلّول للذين يضطهدونكم”… ضمن كلمة “الوصايا” تنضوي الحياة المسيحيّة بجملتها، لا الممارسات النّسكيّة فحسب، من صوم، وسهَر، وصلوات طويلة في الكنيسة، وسجدات. فهي تتضمّن الجهاد الّذي على العلمانيّين أن يقوموا به في حياتهم العاديّة اليوميّة، ألا وهو التخلّي عن الأنانيّة، وعن مقاييس هذا العالم.
إلى جانب إنكار العالم هذا، أوّل جهادٍ أمامَنا، ولعلَّهُ الأصعب، هو أن نتجرَّدَ من الإكتفاء بالذات، من حبِّ الذات الّذي يَحدونا على تفضيل ما يروقنا ويُريحُنا على حساب الآخَرين. لنا كلام كثير في هذا الأشكال المتعدّدة الّتي قد تتّخذُها هذه الأنانيّة من خلال آلاف من العادات تبدو طفيفة، ولكنّها ترمي كلّها إلى إبراز الإنسان لذاته.