لكلّ مرحلة من مراحل التاريخ أنماطُ نسك خاصّة بها، ولكن ما يهُمُّ ليس الشّكل الخارجيّ، إنّما روح السَّخاء الّذي يتميّز به ما نبذله من الجهود، علامَةً على محبّتنا لله. فنحن أيضًا نستطيع أن نقتفي آثار المجاهدين الروحانيّين، وليس هذا من الماضي. لا ينبغي أن نتعلّل بتغيُّر الظُّروف، وصعوبة الحياة المعاصرة. نحن مدعوّون إلى الجهاد بالمقدار عينه من محبّة المسيح. كلُّ مؤمن عليه أن يهتفَ مع بولس: “مع المسيح صُلبتُ. لستُ أحيا أنا، بل المسيح يحيا فيّ”(غلا2: 20). كُلُّنا مدعوّون لنحيا “جهالة الصّليب”، الّذي يزداد في أيّامنا تَعييرُهُ ونَعتُهُ بالجنون. أمسى العيش كمسيحيّ مَدعاةُ للسُّخريّة. ولكن لا بدَّ أن نأخذ هذه السُّخريّة على عاتقنا، كما يقول بولس الرسول: “لا يخدعنّ أحدٌ نفسَه. إن كان أحدٌ يظنُّ أنّه حكيمٌ بينكم في هذا الدهر، فليصِر جاهلاً لكي يصير حكيمًا…نحن جهّال من أجل المسيح” (1كور3: 19 و4: 10).
بالتالي، إنّ خَوض هذا الجهاد الروحيّ في حياتنا كمسيحيّين هو نتيجة نار الإيمان المضطرمة في نفوسنا، ويجب ألاّ نُخمِدَ هذه النار بالانشغالات الدّنيويّة والمادّية وهموم الحياة. علينا أن نؤجِّجَ يَوميًّا الإيمانَ الّذي هو عطيّة من الروح القدس، وهو نار في داخلنا نعبّر عنها بالثّقة بالله وبعنايته، وبالاتّكال على قوّة الصليب، لا على جهودنا الخاصّة.
يجب أيضًا أن نُظهِر جرأةً وإقدامًا في الجهاد، وهو ما يدلُّ عليه اليونانيّون بكلمة تجمع بين الكرَم، والشهامة، والأَرْيَحيّة، والشجاعة. فالآباء ينظرون إلى الإنسان الجبان، الّذي يتقاعَص عن الجهاد، كإنسان مُصاب بمَرَضَيْن: أوّلاً، حبُّ الجسد، وثانيًا، قلّة الإيمان. إذًا مَن يرفض الراحة والرَّخاء، حتى في تفاصيل حياته، يُظهِر إيمانَه بالله، وأنّه ينتظر الراحة الحقيقيّة في الدهر الآتي.