لنا عند القدّيس مكاريوس المصريّ وصفٌ وافٍ لهذا الغصب الإنجيليّ، يُلخِّصُ فيه كلامَنا:
“…عندما يَدنو أحدهُم من الرّبّ ليحظى بالحياة الأبديّة، ويُصبحَ مسكنًا للمسيح ويمتلئ من الروح القدس، عليه أوّلاً أن يغصِبَ نفسه على فعل الخير، ولو لم يَمِلْ إليهِ قلبُهُ، وأن ينتظر رحمة الله بإيمان لا يتزعزع. عليه أن يَغصِبَ نفسَه ليُحِبَّ وليسَ عندَه محبّة، ويَغصِب نفسه على الوداعة وهو يَخْلو منها، ويَغصِب نفسه على الرأفة، ورحمة الآخرين، ويَغصِب نفسه على احتمال الهوان، والصّبر إزاء احتقار الآخرين، وعدم الإستياء إذا حسبوه بلا قيمة، أو عيَّروه… كذلك عليه أن يغصب نفسه لاقتناء الرجاء، والتواضع، والمحبّة، والوداعة، والأمانة، والبساطة، وكذلك ليكتسب كمال الصبر وطول الأناة بفرح (كول1: 11)، كما هو مكتوب”. علينا أن نغصبَ أنفسنا أيضًا لكي لا نعطي قيمةً لِذاتِنا، بل ننظر نرى أنفسَنا كأشقى الناس وآخِرَهم، ولكي لا نتكلّم في أمور باطلة، بل نتأمّل دائمًا في الإلهيّات، ونُحدّث بها بالقلب واللسان، ولكي لا نحتدَّ، بل نهتف كما هو مكتوب: “ليُرفَع من بينكم كلُّ مرارةٍ، وسَخَطٍ، وغَضَبٍ، وصياحٍ، وتجديفٍ، مع كلِّ خُبثٍ”(أف4: 31). الأمرُ نفسُه ينطبق من أجل اقتناء كلّ سلوكٍ موافقٍ للمسيح، وكلّ وداعة متواضعة، وعدم الترّفُّع، وعدم التعظُّم بالفكر، وعدم الاستكبار، ولا الكلام ضدّ أحد” …