في المعموديّة إذًا، أصبحنا مشاركي سِرَّ الخلاص من دون أيّ جُهد، ولكن يبقى علينا أن نحقّقَ هذا السّرّ في ذاتنا على مدى العمر، وأن نتبعَ المسيح في انتصاره. فإنّ صورة الله المرسومة فينا بالطبيعة تستعيد بالمعموديّة حيويّتَها، وامتدادَها نحو “المِثال”، كما هو مكتوب في سفر التكوين: الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله. ويُولي آباءُ الكنيسة هذا التمييز ما بين “الصورة” و”المثال” أهمّيّة كبيرة. فبسقوطه، فقدَ آدمُ “المثال”، من دون أن يفقد “الصّورة”، وهذا ما يفسّر الإحساس الفطريّ بصورة الله فينا أو الشعور الفطريّ بحضوره عند غير المسيحيّين، أو عند الّذين لم يسمَعوا قطُّ بالمسيح، سواءٌ عاشوا في أقطار الأرض البعيدة أو قبل المسيح كالفلاسفة القدماء. ولكن يبقى هذا الشعور عند هؤلاء ناقصًا، لأنّ “المثال” مفقود. في المعموديّة نستعيد بنعمة الروح القدس هذا التحرّك من الصورة إلى المثال. ولكن علينا أن ننمّيه إراديًّا. علينا أن نخوض هذه المعركة الرابحة مسبَقًا، ونطبّقها في ذواتنا. المفارقة هي أنّ الله الكلّيّ القدرة لا يريد أن يفعل شيئًا من دوننا. هذه كانَتْ مجازفته حينما خلقَنا أحرارًا، ثمَّ حينما أعاد خَلقَنا بالمسيح. فحتّى بعد القيامة، ليس الخلاص إجباريًّا، وحتّى بعد المعموديّة ليس ما يجبِرُنا على اتّباع وصايا المسيح.