هدفُ الحياة المسيحيّة إذًا هو أن نعيش حياة الله. لذا ليسَ أمام الإنسان المسيحيّ طريقان: واحدة تكفيه لتأمين خلاصه بعد الموت، وأُخرى تقودُ إلى الكمال الإنجيليّ، تَسْلُكُها أَقلِّيَّةٌ مُختارَة من الناس. لا، فَكُلُّ إنسانٍ مَسيحيّ مَدعوٌّ إلى الكمال، ولا يُمكن الفصل بين الخلاص والكمال الخُلُقيّ، أو بين “الحياة الكنسيّة” و”التألّه”، أي المشاركة في حياة الله. فالخلاص يقتضي أن نَتْبَعَ المسيح، وأن نسعى لتنمية بذار الحياة الإلهيّة الّتي أُلقِيَت فينا يومَ المعموديّة. وكما يَقولُ القدّيس يوحنا الذّهبيّ الفم، “الإنسان المسيحيّ هو الّذي يُفكِّر في سلوكِه وقراراته كلّها أنّ المسيح مَعَنا في كلِّ مكان”. لذلك لا يمكن التَّمييز بين حياة مسيحيّة مخصَّصَة للرُّهبان، أو للكهنة، وحياة أخرى مموَّهَة، يكتفي بها المؤمنون المرتبطون بالواجبات العائليّة والدّنيويّة. كلّنا مدعوّون إلى الكمال. لا يمكننا أن نكون مسيحيّين “بنِصْفِ دَوام”، كما يقول القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم. ويقولُ أيضًا: “وَهْمٌ كبيرٌ ظنُّكَ أنّ الرّهبان والعلمانيّين ليس لهم الواجبات ذاتها، لأنّهم، ما عدا الزّواج أو البتوليّة، سيؤدّون الحسابَ نفسَه… فالمسيح لا يتكلّم في الإنجيل على علمانيٍّ وراهب، إنّما هذا التَّفريق من نتاجِ العقل البشريّ، وهو مجهول تمامًا في الكتاب المقدّس، الّذي يودّ أن يحيا الناس جميعًا حياة الرّهبان، ولو تزوّجوا”.
أجل، إنّ النُّصوص الروحانيّة الأُرثوذكسيّة في مُعظَمِها كَتَبَها الرُّهبان أو كُتِبَت للرُّهبان في الأساس، ولكنّ ذلك لأنّ الحياة الروحيّة الّتي يعيشها الرّهبان تبقى المثال الأعلى والمَرْجع الأوّل لكلّ إنسان مسيحيّ، وما هي إلاّ الحياة المسيحيّة الإنجيليّة المُعاشة في أقصاها. هذه الحياة المُنبَسطة إزاءَنا هي استجابَتُنا لموهبة الله، استجابةٌ تُكَلِّفُنا جُهودًا صعبةً. وهذه الجهود تُعَبِّرُ عن شَوقِنا لله وتبرِزُ قيمةَ حرّيتِنا، الّتي هي صورة الله فينا.