هدف الحياة الروحيّة: اكتساب الروح القدس
حياةُ الراهب إذًا مَصدَرٌ للتَّجَدُّد ولاجتذاب الناس إلى الإنجيل، بالأحرى من الاعتكاف والانقطاع عن العالم. فالرُّهبان، سواءٌ في جبل آثوس أو في أيّ مكان آخر، ليسوا سوى مسيحيّين عَشِقوا المسيح وقرَّروا أن يتبَعوه حتى النهاية، على غِرار الرّسُل، تاركينَ خلفَهُم كلّ ارتباطٍ بالعالم. هذا الموقِفُ القطعيّ الّذي يميّز دعوتَهم يَجعلُهُم مثالاً لسواهُم من المسيحيّين، يقتدي به كلٌّ حَسَبَ إمكاناته، ومقدارِ شوقِهِ إلى المسيح. فالرُّهبان هم مِلحُ الأرض، بفضلِه تُثمِرُ للحياة الأبديّة.
إنّ المسيح، في بَدء بشارتهِ، ردّدَ مرارًا هذا الكلام: “إنْ أرادَ أحدٌ أن يأتي ورائي، فليُنكِر نفسَه ويحمِل صليبَه ويتبعني”. إذًا كلُّ مسيحيّ، لا الراهب وحدَه، هو مَن يُلبّي دعوةَ المخلِّص، ويُنْكِر حياتَه وتَقَوْقُعَه على ذاتِه، وعلى أنانيّتِه، ليتْبعَ المسيحَ حيثُ يذهَب، حتى إلى موته، الّذي هو عربون الحياة الأبديّة. نحن كلّنا اعتَمَدْنا بالمسيح، ونزَلنا في المياه المُحييَة، على مثالِ نزولِه إلى الموت، للاشتراك في قيامته. وبالتّالي حياتُنا كلُّها ينبغي أن تكون “حياةً بالمسيح”، لأنّنا “لَبِسْنا المسيح”.
علينا إذًا أن نتخلّى عن الفكرة السّائدة أنّ المسيحيّة ديانة بين الدِّيانات أو هي إحدى الرُّوحانيّات. هذه الكلمة رائجة اليوم في الغرب، وهي تشير إلى نوعٍ من الحِكمة أو نَمَط من العيش الرَّفيع يُحقّقُهُ الإنسان بجُهدِهِ الشخصيّ وحدَه، وهو أقرَبُ إلى الحكمة عند فلاسفة الإغريق.