*** مفيبوشث والتكريس لداود الغائب ***
« فقال مفيبوشث للملك فليأخذ الكل أيضاً بعد أن جاء سيدي الملك بسلام إلى بيته » (2صم30:19)
لقد شهد الروح القدس لولاء مفيبوشث.
فإن غياب سيده المحبوب داود كان يدعوه للنوح (2صم24:19) . وهذه صورة حقيقية لِما يجب أن يكون عليه المؤمن الآن مدة غياب السيد عنه.
فإن الشركة مع السيد الغائب تدعو المسيحي بالانفصال التام عن العالم وجميع مظاهره الخلابة الكاذبة، ولا تنحصر فيما هو حلال وما هو حرام. بل إن القلب النابض بالمحبة ليعلن الطريق الصريح الواجب على المسيحي السير فيه حتى رجوع الملك.
وما أجلّ نوع العمل الذي يوجبه علينا غياب السيد « إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق » (كو1:3) . ولو سُئل المسيحي الحقيقي: لماذا تمتنع عن هذه وتلك، فإنك تسمع جوابه الصريح « لأن المسيح غائب ».
فلا نحتاج إلى قوانين كنسية مجدبة لتنظيم أحوالنا، ولكننا نحتاج إلى محبة عميقة شديدة لشخص المسيح الرب، ورغبة قوية لرجوعه إلينا سريعاً - ذاك الذي نقلنا من الموت إلى الحياة، ومن المزبلة إلى العرش. يا ليتنا نطلب سرعة رؤية وجهه، ويا ليت قلوبنا تستطيع أن تُجيب بالإيجاب على كل رغبات قلبه.
لقد ظهر الفرق بين صيبا ومفيبوشث. فالأول يطلب المال، والثاني يطلب التقرب إلى الملك.
وهذا واضح من قول مفيبوشث « فليأخذ الكل أيضاً بعد أن جاء سيدي الملك بسلام إلى بيته ». ولقد ظهرت بساطة استقامة قلبه، ولا عجب فإن قلبه كان متعلقاً بشخص داود لا بأموره الخاصة، مكتفياً بأن الملك قد رجع بسلام إلى بيته. إن التقرب لشخص الملك، ملأ قلب مفيبوشث وأشبعه حتى استطاع دون صعوبة أن يهب صيبا كل ما حاول هذا نيله بالخديعة والنميمة.
هكذا يجب أن يكون الحال مع جميع الذين يحبون اسم ابن الله. فإن رجاء ظهوره المجيد يُميت في قلوبهم الميل لأمور هذا العالم.
ولو كان المسيحيون يتحققون قوة هذا الرجاء المبارك، لكان سيرهم أعلى وأبعد عن العالم. والعدو نفسه يعرف هذا، ولذا فإنه يعمل بنشاط حتى ينزل درجة هذا الرجاء إلى مجرد الخيال بلا قوة عملية ولا أساس ثابت. وقد نجح العدو نوعاً في غواية البعض الذين وضعوا مجيء الرب في زوايا الإهمال. على أنه يوجد علاج واحد ناجح لهذا كله، وهو المحبة العميقة والرغبة الأكيدة لمجيء الرب.
__________________
مفيبوشث والنعمة المخلصة
.. بالنعمة أنتم مخلصون
(أف2: 5)
نحن أمام صورة جميلة عن الخلاص بالنعمة من أجل المسيح.
وتبدأ قصة مفيبوشث منذ كان عمره خمس سنوات وسقط من مربيته فصار أعرج الرجلين (2صم4) منفياً في لودبار يتيماً فقيراً، بعد موت أبيه يوناثان وجده شاول الملك.
وفي مفيبوشث نرى صورتنا بحسب الطبيعة كضعفاء عاجزين (أعرج من رجليه كلتيهما) وبعيدين عن أورشليم مكان السجود، عائشين في لودبار حيث الجدب والقحط، بلا مرعى ولا راعي، مُباعين تحت الخطية (ماكير).
وكنا ننفث عاراً (معنى اسم مفيبوشث)، حنجرتنا قبر مفتوح، سُم الأصلال تحت شفاهنا، ينتظرنا القضاء والدينونة كبيت شاول « وُضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة ».
وفي مشهد مفيبوشث المعيب، يظهر داود بنعمة فائقة ليقدم إحسان الله لا لشيء، بل من أجل يوناثان. وهكذا أنعم الله علينا في المحبوب .. ونجد داود يقدم إحسانات متوالية لمفيبوشث:
لا تخف: يطمئن قلبه ويعطيه سلام « فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله ».
تأكل خبزاً على مائدتي: شركة وتمتع ووجود في دائرة الرضى - الإقامة في النعمة.
دائماً: مركز المؤمن وثباته.
كواحد من بني الملك: يا له من امتياز « أما كل الذين قبلوه أعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله » (يو1: 12).
أرُّد لك حقول شاول أبيك: ويا له من ميراث « ميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل » (1بط1: 4).
سكن في أورشليم: ونحن سيرتنا هى في السماوات ولنا أورشليم السماوية، ومسكننا في بيت الآب.
وإن ظل مفيبوشث أعرج الرجلين، لكن داود كان يرى فيه صورة يوناثان حبيبه (ونحن نُرى في الحبيب قديسين، بلا لوم ولا شكوى).
ولقد ظل مفيبوشث مديناً بالفضل مكرساً حياته لداود. ليتنا نكرس الحياة للرب منتظرين مجيئه ليغيِّر شكل جسد تواضعنا، ليكون على صورة جسد مجده.