شدَّد الرسول بولس على اتحاد المؤمنين بربهم، وعلى مشاركتهم في ملئه. ولقد أشار القديس يوحنا الذهبي الفم في تفسيره للآية الرابعة من الإصحاح الثالث من الرسالة إلى أهل كولوسي إلى أن بولس كان في كل كتاباته يسعى إلى أن يظهر المؤمنين “مشاركين إياه (أي المسيح) في كلّ شيء”، “فيتحدث عن الرأس والجسد حتى يظهر هذا الاتحاد” . ولعلَّ خبرة سرّ الشكر أوحت بهذه العبارة (أنظر 1كور 10: 17)، حتى إنها استُعملت لتوحي بمدلولها السِّري، أي إن كنيسة المسيح واحدة في سرّ الشكر، لأن هذا السرّ هو المسيح نفسه الذي يقيم سرِّياً في الكنيسة جسده. الكنيسة جسد ووحدة عضوية وأكثر من جماعة بكثير. ولعلَّ لفظة “الجسم الحيّ أو الكيان” هي أفضل ترجمة حديثة للفظة الجسد “to soma” التي استعملها بولس الرسول.
بل إن الكنيسة جسد المسيح و”ملؤه”. الجسد والملء (to soma to pleroma). هاتان اللفظتان تتلازمان وتترابطان في فكر بولس. فالواحدة تفسِّر الأخرى: الكنيسة “هي جسد وملؤه، وهو الذي يملأ كلّ شيء في كلّ شيء” (أفسس 1: 23). الكنيسة جسد المسيح، لأنها تتمة له. ويفسِّر يوحنا الذهبي الفم فكرة بولس بهذا المعنى قائلاً: “تكون الكنيسة ملء المسيح مثلما يكون الرأس ملء الجسد ومثلما يكون الجسد ملء الرأس”. المسيح لم يبقَ بمفرده لأنه “أعدّ الجنس البشري كلّه ليتبعه ويلتصق به ويقتفي أثره”. ويؤكِّد الذهبي الفم فيقول: “أنظر إليه (أي إلى بولس) كيف يظهره لنا محتاجاً إلى الكلّ، أي إلى جسده. إذن هو يكتمل بالكلّ. فالرأس يكتمل والجسد أيضاً عندما نتّحد جميعنا ونتلاحم” .