كان نزول الروح إعلاناً سامياً، لأنه في “السرّ الرهيب الذي لا يفسَّر” الذي تمَّ في يوم الخمسين جاء الروح المعزِّي العالمَ الذي ما كان حاضراً فيه مثلما صار فيه الآن، وتفجَّر ينبوع غزير من الماء الحيّ على الأرض، أي في العالم الذي خلَّصه الرب المصلوب والناهض وصالحه معه. لقد حضر الملكوت، لأن الروح القدس هو هذا الملكوت . لكنَّ “حضور” الروح يعتمد على “ذهاب” الابن (يو 16: 7). انحدر “المعزِّي الآخر” ليشهد للابن وليعلن مجده وليضع ختماً على انتصاره (يو 15: 26، 16: 7 و14). في الروح القدس عاد الرب الممجَّد إلى قطيعه ليقيم معه دائماً (يو 14: 8 و28)… فيوم الخمسين كان تقديساً سرِّياً لكلّ الكنيسة ومعموديتها (أعمال 1: 5). إن معمودية النار هذه أقامها الرب نفسه، لأنه يعمِّد “بالروح القدس والنار” (متى 3: 11، لوقا 3: 16). والآب أرسل الروح القدس عربوناً في قلوبنا، وهو روح التبنّي في المسيح يسوع و”قدرة المسيح” (2 كور 12: 9). فبالروح القدس نعترف بأن يسوع هو الرب (1 كور 12: 3). وعمل الروح في المؤمنين هو أن يجعلهم أعضاء في جسد المسيح وأن يعمّدهم ليكونوا جسداً واحداً (1 كور 12: 13)، أي جسد المسيح. يقول القديس أثناسيوس: “بما أننا سُقينا مشروب الروح فنحن نشرب المسيح”، “فالصخرة كانت المسيح” .
بالروح القدس يتَّحد المؤمنون بالمسيح ويتَّحدون فيه ويصبحون أعضاء في جسده، جسد المسيح الواحد: هذا التشبيه الرائع الذي أورده بولس في أماكن متعدِّدة ليصف سرّ الوجود المسيحي هو أفضل شهادة عن خبرة المودّة في الكنيسة الرسولية. فهو لم يورد هذا التشبيه عرضاً أو اتفاقاً، لأنه خلاصة الإيمان والخبرة.