الكنيسة بكلّيتها جماعة مقدَّسة (أو مكرَّسة) ومتميِّزة عن العالم (المدنَّس). فهي الكنيسة المقدَّسة ولذلك استعمل بولس لفظتَيْ “كنيسة” و”قدّيسين” وكأنهما مترادفتان. ويجدر بنا أن نشير إلى أن لفظة “قدّيس” في العهد الجديد يكثر استعمالها في صيغة الجمع، لأن القداسة بمعناها الحقيقي ترتبط بالجماعة. فهي لا تدلّ أبداً على المآثر الإنسانية، بل على عطيّة وتقديس وتكريس. وهي تنحدر من القدّوس الأوحد أي من الله. والإنسان يكون قدّيساً عندما يشارك في الحياة الإلهية. فالقداسة تُتاح للأفراد في حياة الشركة فقط، وبالأولى في “شركة الروح القدس”. إن عبارة “شركة القدّيسين” حشو وتكرار في الكلام، لأن الفرد لا يقدر أن يكون “قدّيساً” إلا في حياة الشركة.
نقول بدقة إن الجماعة المسيانيَّة التي جمعها يسوع المسيح حوله لم تكن “الكنيسة” قبل الآلام والقيامة، وقبل أن يرسل الآب “ما وعد به”، وقبل أن “تحلّ عليها القوة من العلى” و”تعتمد بالروح القدس” (لوقا 24: 49، أعمال1: 4-5)، في سر يوم الخمسين، وقبل انتصار الصليب الذي أُعلن في القيامة المجيدة. كانت هذه الجماعة “تحت ظل الشريعة” (sub umbraculo legis)، لكنَّ الاكتمال كان وشيكاً. ويوم الخمسين كان ليشهد لانتصار المسيح وليضع الختم على هذا النصر. إن “القوة من العلى” دخلت التاريخ فأُعلن “الدهر الجديد” وابتدأ تحقيقه. فحياة الأسرار في الكنيسة استمرار ليوم الخمسين.