فالكتاب، أي فهمه الصحيح، موجود في الكنيسة فقط، لأن الروح القدس يوجهها ويرشدها. ولذلك أكد أوريجنس وحدة الكنيسة والكتاب. وكانت مهمة المفسر، عنده، الإعلان عن كلمة الروح: “يجب أن ننتبه عندما نعلم لئلاّ نقدم تفسيرنا الخاص بدلاً من تفسير الروح القدس” (في تفسير رومية 1، 3، 1). هذا الأمر يبقى مستحيلاً خارج التقليد الرسولي المحفوظ في الكنيسة. فأوريجنس شدد على التفسير “الجامع” للكتاب، كما هو مقدم في الكنيسة: “لنصغ في الكنيسة إلى كلمة الله التي تقدم على نحو جامع” (في تفسير اللاويين، العظة 4، 5). أما الهراطقة فيتجاهلون في تفسيرهم “قصد” الكتاب الحقيقي: “فالذين يقدمون كلام الله من دون أن يقرنوه بقصد الكتاب وبحقيقة الإيمان ويزرعون قمحاً ويحصدون شوكاً” (في تفسير إرميا العظة 7، 3). إن “قصد” الكتاب المقدس يرتبط بقوة “بقانون الإيمان”. هذا هو موقف الآباء في القرن الرابع والقرون اللاحقة الذي ينسجم كلّياً مع تعليم الأقدمين. فالقديس إيرونيموس، رجل الكتاب العظيم، أورد الفكرة نفسها بأسلوبه القوي الحاد، فقال: “إن ماركيون وفاسيليدس وهراطقة آخرين… لا يملكون إنجيل الله، لأنهم لا يمكلون الروح القدس، الذي من دونه يصبح الإنجيل المبشَّر به إنسانياً. فنحن لا نعتبر أن الإنجيل (أي البشارة) يتألَّف من كلام الكتاب المقدس فغايته في معناه، لا في سطحه، في لبِّه وجوهره، لا في أوراق العظات، بل في أصل معناه. في هذا الحال يصبح الكتاب نافعاً حقاً للسامعين عندما يُبشَّر به مع المسيح وعندما يُقدم ويُعرض مع الآباء وعندما يُقدِّمه المبشِّرون به مع الروح… كبير هو خطر التكلم في الكنيسة، لأن التفسير المنحرف يحول إنجيل المسيح إلى إنجيل إنساني” (في تفسير غلاطية 1، 1، 2، مجموعة الآباء اللاتين، مين 26، 386).