قانون الإيمان (Regula fidei):
كان التقليد في الكنيسة الأولى مبدأ تفسيرياً ومنهجاً تفسيرياً أيضاً، لأننا لا نقدر أن نفهم الكتاب فهماً صحيحاً وكاملاً إلاَّ على ضوء التقليد الرسولي الحيّ وفي إطاره. وهذا التقليد كان عاملاً أساسياً في الوجود المسيحي، لا لأنه يقدر أن يضيف شيئاً إلى ما أعلن في الكتاب، بل لأن يزوِّد بالإطار الحيّ وبالمنظور الواسع اللذين يُكتشف ويُفهم بهما “القصد” الحقيقي من الكتاب والإعلان الإلهي و”تصميمهما” الكامل. كانت الحقيقة عند القديس إيريناوس “منهجاً راسخ الأساس” و”جسماً حيّاً” (corpus) (ضد الهراطقة 2، 27، 1) “ولحناً متآلف النغمات” (3، 38، 2). لكننا لا ندرك هذا “التآلف” إلاَّ بالرؤية الإيمانية. الحق، أن التقليد لم يكن مجرَّد نقل لعقائد متوارثة “على الطريقة اليهودية”، بل كان الحياة المستمرة في الحقيقة . ولم يكن قلباً بلا حراك ومُركباً من القضايا الملزمة، بل كان تبصرا في معنى الأحداث المعلَنة وتأثيرها في كشف “الإله الفاعل”.لقد كان هذا الأمر حاسماً في حقل التفسير الكتابي. إن ج.ل.برستيج أحسن في قوله: “إن صوت الكتاب يُسمع بوضوح إذا ما فُسِّرت نصوصه برؤية واسعة وبطريقة منطقية وباتفاق مع الإيمان الرسولي ومع دليل الممارسة التاريخيَّة للمسيحية. فالهراطقة هم الذين عوَّلوا على نصوص منعزلة والمسيحيون الأصيلون تنبَّهوا أكثر من المبادئ الكتابية». وعندما لخَّصت الدكتورة إلين فليسيمانفان لير تحليلها الدقيق لاستعمال التقليد في الكنيسة الأولى، قالت: “إن الكتاب من دون تفسير ليس كتاباً على الإطلاق، وعندما نستخدمه ويصير حياًّ يكون كتاباً مفسَّراً”. فيجب أن نفسِّر الكتاب وفقاً “لمضمونه الأساسي” المعلَن في “قانون الإيمان” (Regula fidei). وهكذا يكون هذا “القانون” مَثَلاً يوجّه تفسير الكتاب. “فالتفسير الحقيقي للكتاب هو التقليد وبشارة الكنيسة”.