فبالإيمان أُكِّدت بشكل صحيح وحدة الأناجيل ذات الأشكال الأربعة لكنَّ هذا الإيمان لم يكن تأملاً فردياً كيفياً، بل كان إيمان الكنيسة المتأصل في البشارة الرسولية وفي الكرازة (kerygma) أمَّا الذين خارج الكنيسة فتعوزهم هذه الرسالة الأساسية، التي هي قلب الإنجيل. فالكتاب عندهم حرف ميت ومجموعة من النصوص والسير غير المترابطة. إنهم حاولوا ترتيبها وفق طريقتهم الخاصة التي استقوها من مصادر غريبة. فأتى إيمانها مختلفاً. هذه هي حجة ترتليان في مبحثه “معارضة الهرطقة” (De praescriptione). فهو لم يشأ أن يبحث الكتاب مع الهراطقة، إذ لا حقّ لهم في استعماله لأنه لا يخصّهم. الكتاب ملك الكنيسة. ولذلك أكّد ترتليان بشدة على أولوية “قانون الإيمان” (regula fidie) الذي هو المفتاح الأوحد لفهم معاني الكتاب. وهذا “القانون” كان رسولياً ومتأصّلاً في تعليم الرسل ومستمداً منه. وصف تُرنير (C.H.Turner) بشكل صحيح معنى هذا الاحتكام إلى “قانون الإيمان” وغاية الرجوع إليه في الكنيسة الأولى، فقال: “عندما تحدَّث المسيحيون عن “قانون الإيمان”بكونه قانوناً “رسولياً”… لم يعنوا به أن الرسل اجتمعوا لصياغته… بل عنوا به أن الاعتراف بالإيمان الذي علَّمه الرسل وأودعوه تلاميذهم ليعلِّموه هم من بعدهم”. كان هذا الاعتراف هو هو في كل مكان، رغم أن أسلوب التعبير قد يتغيَّر من مكان إلى مكان وكان دوماً وثيق الصلة بدستور المعمودية وخارج هذا “القانون” لا يمكن إلاَّ أن يفسَّر الكتاب تفسيراً خاطئاً. فالكتاب والتقليد، عند ترتليان، متلازمان دون انفصال: “حيثما يتّضح التعليم المسيحي الحقّ والإيمان المسيحي القويم نجد الكتاب المقدَّس الحقيقي والتفسير القويم والتقليد المسيحي الحقيقي” (19، 3). فتقليد الإيمان الرسولي كان المرشد الضروري لفهم الكتاب والضمانة الأساسية للتفسير الصحيح. لكنَّ الكنيسة لم تكن سلطة خارجية مهمتها أن تحكم على الكتاب، بل أن تحفظ الحقيقة الإلهية المودعة فيه