لم يكن “القِدَم” في حدِّ ذاته ضمانة كافية للحقيقة إذا لم يثبِّته “الإجماع في الرأي” عند “القدماء”. و”الإجماع” في حد ذاته لم يكن باتّاً ما لم ترجع جذوره بشكل مستمر إلى الرسل. يقول القديس فكنديوس: نحن نعترف بالإيمان الحقيقي عن طريق الالتجاء إلى الكتاب المقدَّس والتقليد، “عن طريقين… أولاً عن طريق سلطان الكتاب المقدس، ومن ثمّ عن طريق تقليد الكنيسة الجامعة”. لكن هذا الأمر لا يشير إلى وجود مصدرين للعقيدة المسيحية، لأن قانون الكتاب كان “تاماً” و”كافياً” في حدِّ ذاته ولأن “كل الأشياء (في الكتاب) كاملة وأكثر من كافية”. فماذا يجب أن يُكمَّل “بسلطان” آخر؟ ولماذا كان الرجوع إلى سلطان “الفهم الكنسي” ضرورياً؟ لقد كان السبب واضحاً وهو أن كلّ مسيحي شرع في تفسير الكتاب بشكل مختلف، “لدرجة أن المرء يكاد يصل إلى الانطباع بأن هناك معاني مختلفة بمقدار عدد الناس”. ولذلك قاوم القديس فكنديوس تعدّد الأفكار “الخاصة” بفكر الكنيسة “الواحد”، فكر الكنيسة الجامعة، فقال إنه يجب أن “نوجِّه تفسير كتب الأنبياء والكتابات الرسولية وفق قاعدة التفسير الكنسي الجامع”. فلم يكن للتقليد عنده وجود مستقل، ولم يكن مصدراً مكمِّلاً للإيمان. “فالفهم الكنسي” لا يضيف شيئاً إلى الكتاب المقدَّس، لكنه كان الوسيلة الواحدة للتحقق من المعنى الصحيح للكتاب ولكشفه. كان التقليد التفسير الموثوق به، وبهذا المعنى يمتد امتداد الكتاب. وكان التقليد “الكتاب المفهوم بشكل صحيح”. وكان الكتاب، عند القديس فكنديوس، القانون الأوحد والرئيسي والنهائي للحقيقة المسيحية (Commonitoriun الإصحاح 2 و28).