نقائص القانون الفكندياني:
تبقى الصيغة الشهيرة التي قدَّمها فكنديوس الليرنسي (Vincent of Lerins) في وصفه طبيعة الجامعة لحياة الكنيسة غير دقيقة. فالصيغة تقول: “ما آمن به الجميع في كلّ مكان وزمان” (Quod ubique, quod semper, quod ab omnibus creditum est). أولاً، إننا لا نعرف بوضوح إذا كان هذا المقياس تجريبياً أم لا. فإذا كان تجريبياً ثبت أنه خاطئ، لأنه عن أي “جميع” (omnes) يتحدَّث؟ وهل يجب أن نسال جميع المؤمنين عن إيمانهم، وحتى الذين لا يحسبون أنفسهم سوى مجرَّد مؤمنين؟ في جميع الأحوال يجب أن نقضي ضعفاء الإيمان والمشككين والثائرين على الإيمان. لكن هذا القانون لا يعطينا أي مقياس للتمييز والاختيار. فالكثير من الخلافات تُثَار حول الإيمان، وأكثر منها حول العقيدة. فكيف نفهم عبارة “الجميع” (omnes)؟ ألا نكون متهوِّرين إذا ما عالجنا كلَّ الأمور المشكوك فيها وفق الصيغة التي نسبت خطأ إلى أوغسطين، أي إذا تركنا القرار “للحرية في الأمور المشكوك فيها” (in dubiis libertas). في الواقع، نحن لا نحتاج إلى أن نسأل جميع المؤمنين، لأن مقياس الحق تشهد له في أكثر الأحيان الأقلية. والكنيسة الجامعة قد تجد نفسها في يوم من الأيام “قطيعاً صغيراً” ولعلَّ اللاأرثوذكسيي الفكر سيكونون أكثر عدداً من الأرثوذكسيين. وقد ينتشر الهراطقة “في كل مكان” (ubique) وتنكفئ الكنيسة إلى خلفية التاريخ وتنسحب إلى الصحراء. وهذا ما حدث أكثر من مرة في التاريخ، ومازالت إمكانية حدوثه قائمة. ونقول بدقة إن في القانون الفكندياني نوعاً من الحشو والتكرار. فلفظة “الجميع” (omnes) يجب أن نفهمها وكأنها تشير إلى الأرثوذكسيين. في هذه الحالة يفقد هذا المقياس أهميته، إذ نكون قد عرَّفنا “الذات” (idem) “عن طريق الذات” (per idem). وعن أية ديمومة وعن أي حضور كلِّي يتحدَّث هذا القانون؟ وبِمَ ترتبط لفظتا “المكان” (ubique)، و”الزمان” (semper)؟ هل ترتبطان بخبرة الإيمان أم بالتحديدات الإيمانية التي تشير إليها؟ في الحالة الأخيرة تكون هذه الصيغة خطيرة، لأنها تخفِّض الإيمان إلى حدّه الأدنى ولأن التحديدات العقيدية لا تفي بمقتضيات “المكان” (ubique)، و”الزمان” (semper) بدقة.