الميزة الداخلية في الجامعية:
يغيب عن الجامعيَّة المفهوم الكمِّي أو الجغرافي، لأن الجامعيَّة لا تتوقَّف أبداً على مدى انتشار المؤمنين في العالم. فمسكونية الكنيسة نتيجة وإظهار لها، وليست سبباً أو أساساً لها. أي أن انتشار الكنيسة الواسع هو سمة خارجية وأمر غير ضروري بكل ما في هذه الكلمة من معنى. فالكنيسة كانت جامعة، حتى عندما كانت الجماعات المسيحية جزراً منعزلة في بحر الوثنية وعدم الإيمان. وستبقى جامعة حتى انتهاء الزمان، عندما يظهر سرّ “الارتداد” وعندما تتقلَّص الكنيسة لتصير مرة أخرى “قطيعاً صغيراً”: “أيجد ابن الإنسان إيماناً على الأرض يوم يجيء” (لوقا 18: 8). يقول المتروبوليت فيلاريت في هذا الصدد: “إذا ما ارتدَّت مدينة أو منطقة عن إيمانه الكنيسة العالمية، فإن الكنيسة ستبقى من غير ريب جسداً كاملاً غير منتقص ولا فانٍ” .”فجامعية الكنيسة لا تُقاس بمدى انتشارها العالمي، لأن لفظة Katholiki التي تشتق من Kath olou تعني بالدرجة الأولى الاكتمال الداخلي لحياة الكنيسة. إننا نتحدَّث عنا عن الاكتمال وليس عن المشاركة، وفي أي حال إننا لا نتكلَّم على المشاركة الاختباريَّة. فلفظة Kath olou لا ترادف لفظة Kath pantos لأنها لا تنتمي إلى مستوى الحواس أو إلى مستوى الاختبار، بل إلى المستوى الكياني والمفهوم الذاتي، لأنها لا تصف الظواهر الخارجية، بل الجوهر نفسه. نجد هذه الألفاظ مستخدمة بهذا المعنى في العصور التي تسبق ابتداء من سقراط. فإذا دلَّت الجامعيَّة على المسكونيَّة أيضاً فإنها بكلّ تأكيد لا تدلّ على مسكونية اختبارية، بل على مسكونية مثالية. أي إنها تشير إلى المشاركة في الأفكار وليس إلى المشاركة في الوقائع. عندما استعمل المسيحيون الأوَّلون عبارة “الكنيسة الجامعة” (Ekklesia Katholiki) ما عنوا بها كنيسة ذات انتشار عالمي. والحق، أن هذه العبارة أظهرت أرثوذكسية الكنيسة وحقيقة “الكنيسة العظمى”، لأنها تغاير روح الانشقاق الطائفي وروح التخصصية، وتوضح فكرة الكمال والطهارة