على المرء ألاَّ يغفل الخلفية التبشيرية للعهد الجديد الذي تجسَّدت ودُوِّنت فيه “البشارة الرسولية” بهدفيها: بنيان المؤمنين وهدي العالم. إذن، العهد الجديد ليس كتاب الجماعة حصراً كما كان العهد القديم. فهو ما زال كتاباً تبشيرياً، لكنَّه يبقى مع ذلك في حمىً عن الغرباء. كان موقف ترتليان من الكتاب المقدس نموذجياً، لأنه لم يكن مستعداً للبحث مع الهراطقة على أسس كتابية في المواضيع الإيمانية التي لم يكونوا على اتفاق فيها. فالكتاب يخصّ الكنيسة، ولذلك كان احتكام الهراطقة إليه غير شرعي، إذ لا حقّ لهم في ملك غريب. هذه الحجَّة الرئيسة نجدها في مبحثه الشهير “معارضة الهراطقة” (De praescriptione haereticorum) حيث يؤكد أن غير المؤمن لا يحقّ له لمس الرسالة، لأنه لم “يستلمها”. فلا “رسالة” له في الكتاب المقدس.
لم يكن مصادفةً إعتبار منتخبات متعدَّدة ومدوَّنة في أوقات مختلفة وعلى يد مؤلفين عديدين كتاباً واحداً. فلفظة ta biblia بصيغة الجمع، في حين أن لفظة Bible (الكتاب) بصيغة المفرد. وهذا دليل على أن هذه الأسفار تؤلف كتاباً مقدساً واحداً، ذا موضوع رئيسي واحد ورسالة واحدة، بل تؤلف رواية العلاقات بين الله وشعبه المختار، ومدوَّناً يودر أفعال الله وعظائمه (Magnalia Dei). فالله ابتدأ بالمسيرة، إذ هناك بداءة ونهاية تكون الهدف والغاية، أي هناك نقطة إنطلاق كامنة في كلام الله “في البدء” (تكوين 1: 1) ونهاية يشير إليها كلام الرؤيا الختامي: “تعالي أيها الرب يسوع” (رؤيا 22: 20). إذن، هناك قصة كاملة تبتدئ من سفر التكوين وتنتهي بسفر الرؤيا، وهذه القصة هي تاريخ، ومسيرة تتحرك بين هاتين النقطتين. ولهذه المسيرة إتجاه معيَّن. وهناك هدف أساسي ورجاء إكتمال سيتحقق في آخر الأزمنة. فهذه القصة ذات مراحل وكل مرحلة ترتبط بطرفي المسيرة ولها مكانة صحيحة وفريدة في القصة كلِّها. لذلك تُفهم كلّ مرحلة من السياق كلِّه والمنظور كلِّه.