مهما كان أصل النصوص التي يشتمل عليها الكتاب المقدس فمن الواضح أنه في مجمله من خلق الجماعة في التدبير القديم والكنيسة المسيحية على حد سواء. فهو لا يشتمل على كلِّ النصوص التاريخية والتشريعية والتعبّدية الموجودة، بل على نخبة منها. وهذه النخبة أصبحت ذات سلطان من خلال استعمالها -وعلى الأخص في الليتورجيا- وفي وسط الجماعة ومن خلال القيمة التي أعطتها لها الكنيسة. لقد كان هناك هدف واضح يحدِّد هذه “النخبة” ويعيِّنها: “وصنع يسوع أمام تلاميذه آيات أخرى غير مدوَّنة في هذا الكتاب. أمَّا الآيات المدوَّنة هنا، فهي لتؤمنوا بأن يسوع هو المسيح ابن الله. فإذا آمنتم نلتم باسمه الحياة” (يوحنا 20: 30-31). ينطبق هذه الهدف على الكتاب كلِّه. فما حصل هو أن بعضاً من الكتابات اختير وجُمع وسُلِّم بعد ذلك إلى المؤمنين ليكون نسخة عن الرسالة الإلهية يجد اعتمادها. إن الرسالة إلهية وآتية من الله، بل إنها كلمته، لكن المؤمنة هي التي سلَّمت بصحة الكلمة التي قيلت وهي التي شهدت لحقيقتها. لذلك فإننا نؤكد الصفة المقدسة للكتاب بواسطة الإيمان. ولأن الكتاب أُلِّف ضمن الجماعة بهدف بنيانها، فلا نقدر أن نفصل الكنيسة عن الكتاب المقدس. فالكتاب والعهد متصلان اتصلاً وثيقاً، والعهد يفترض وجود شعب، ولذلك ائتُمن الشعب على كلمة الله (رو3: 2) في التدبير القديم. أمَّا في التدبير الجديد فائتُمنت كنيسة الكلمة المتجسد على رسالة الملكوت. فالكتاب هو حقاً كلمة الله، لكنه يستند إلى شهادة الكنيسة التي وضعت قانون الكتاب وثبتته.