وهكذا كانت الكنيسة “رسولية”. ولكن هؤلاء الرسل الأخيرين لا يمثلون الرسل الاثني عشر تمثيلاً خارجياً بشرياً وحسب. ليسوا رسل أناس لأناس ولا رسلاً كيفما اتفق بل بقوة المسيح بفعل الروح القدس نفسه، الأقنوم الخفي في الثالوث الأقدس. الروح القدس لا يظهر ذاته بل يحي وراء الإنسان ويحييه من الداخل على منوال إحياء النفس للجسد، إذ نحس بأننا واحد لا نفس وجسد. بالروح القدس يصبح الإنسان “روحياً” وذلك دون أن يشعر: أنه سر سكنى الروح فينا منذ المعمودية، أو منذ السيامة الكهنوتية: يحل فينا ليجعل منا رسلاً لله. هو الذي يصلي فينا، ويئن أو يتكلم. وبالتالي الإنسان غير مهم هنا. الإنسان مهم بقدر عدم أهميته، أعني بقدر ما يعرف أن يمحي ويتخلى عن ذاته ليفسح مكاناً للآب. إن الاثني عشر رسولاً كانوا شهوداً للرب حتى النهاية، حتى الموت. الكنيسة مبنية على “الرسل” ولكنهم أيضاً شهداء. بل من مقومات الرسول أن يكون شهيداً. فقد أرسلهم الرب “كخراف وسط ذئاب” (متى10: 16). وهم يشهدون لا بكلامهم أولاً بل بكيانهم المملوء ممن يشهدون له: الله هو الذي يشهد للسر فيهم وموت الشهادة ذروة وتتويج للحب وحسب…