وبذل ذاته عن البشر طاعة للآب وبهذا عَبَرَ اللجة التي تفصل بين الله وخليقته وملأها، فوجدت الخليقة فيه حضور خالقها، حضوراً محيياً وممجداً. وهذه الحضرة الإلهية فينا حقيقية وأصلية لدرجة أن بولس الرسول يقول: “فإنْ كنا أبناء فنحن ورثة أيضاً، ورثة الله وارثون مع المسيح” (أنظر رو8: 14-17). نحن ورثة بالتبنّي. أما المشترِك بالطبيعة في إرث الآب ومجده فيدعى أولاً رسول الآب وهو يدعو بدوره أناساً ليكونوا رسلاً له كما هو رسول الآب.
إن هذه الدعوة يدعوها الله منذ البدء. “من أرسل ؟” يقول الله في (أش6: 8). يدعو فيجيب أشعياء: “هائنذا فأرسلني”: إنها سرعة التلبية، وذلك على منوال إبراهيم أبي المؤمنين عندما قال له الله: “يا إبراهيم” فأجاب هائنذا فطلب إليه أن يُصعِد ابنه اسحق محرقة (تك22: 1 و2). أما الآن فقد جاء المسيح وأرسل أولاً الاثني عشر رسولاً الذين دعاهم دعوة فريدة خاصة. اضطرهم تقريباً إلى ترك حياتهم السابقة قائلاً لهم: “اتركوا شباككم فأجعلكم صيادي الناس…”. أما هم فسيرسلون بدورهم رسلاً بعد أن يمنحوهم نعمة الآب بوضع الأيدي فيبثوا فيهم كل معرفتهم وتسليمهم واضطرام إيمانهم..