2- اقتبال الجميع
إن اقتبال الكاهن للناس يجب أن يكون اقتبالاً جامعاً يشمل الجميع ولا يحتمل أي رفض لأي كان، وذلك لأن الكاهن لا يجذب الناس إلى نفسه بل إلى من يمثله ويخدمه. ليس من السهل بشرياً أن لا نرد أحداً، أن نقبل الكل بدون استثناء أحد، إذ سريعاً ما يظهر عدم صبرنا وانفعالنا عند إزعاج الناس لنا. فعلى الكاهن أن يستقبل الكل برحابة صدر وقلب مفتوح، أن يصير نوراً، أن يستقر في الهدوء والصفاء والشفافية إزاء الناس (دون أن يكون في ذلك أية لا مبالاة). كل إنسان نلتقيه إنما يعلن لنا الله، يعبر عن نية الله الخالقة، فالله خالقه قد أراده أن يكون وعرفه قبل إنشاء العالم، وجعلني أعرفه، فكيف يمكنني أن أرفضه، وذلك رغم انزعاجي أو تألمي منه؟ الكاهن مسؤول في الكنيسة، هو رجل الله فلا يملك ذاته من بعد بل هو لله، والله هو للآخرين، إذن الكاهن هو للآخرين أيضاً. إن الله يوزَع “بفتح الزين” دون انقطاع في الإفخارستيا، وعلى الكاهن أيضاً أن يكون قرباناً حيّاً، في وضع توزيع واقتبال للجميع، في حالة “آمين” دائم. نعم إن هذا مؤلم أحياناً كثيرة ومضنن يصلب الكاهن صلباً، ولكن رغم ذلك فليكن دائماً واثقاً مطمئناً، يكسر ذاته في إقدام وصبر وفي الفرح بالآخرين. إن بذل الذات هو في الحقيقة أفضل سبيل ليتجدّد المرء ويربح ذاته والعكس بالعكس. “من أراد أن يُهلك نفسه يُخلِّصها ومن أراد أن يُخلِّص نفسه يُهلكها” (متى16: 25).. بهذا الاقتبال الشامل وعطاء الذات للجميع نبلغ إلى النضج: فالآخر حينذاك لا يعود يخيفنا، لا يعود حضوره مصدر قلق واضطراب لنا بل يصبح بالعكس مصدر فرح. وما دمنا لم نصل إلى هذا فلسنا بعد “بالغين” في المسيح. ما دام فينا إرث الخوف والتردد وعدم الثقة أمام الناس لا تُتِمّ خدمة المسيح من خلالنا بكاملها.