هذا اللاهوت هو، من جهة أخرى، “تعليم إعدادي”، لأن هدفه الأسمى هو الاعتراف بسر الله الحيّ والشهادة له قولاً وفعلاً. ليس “اللاهوت” غاية في حد ذاته، بل هو دائماً طريقة، لأنه لا يقدِّم-وكذلك “العقائد”- سوى “إطار فكري” عن الحقيقة المعلنة، وشهادة “عقلية” (noetic) لها. بالإيمان فقط يمتلئ هذا “الإطار” محتوى. فالصيغ الخريستولوجية تأخذ معناها الكامل فقط عند الذين لاقوا المسيح الحيّ واعترفوا به ربّاً ومخلِّصاً ويقيمون فيه بالإيمان وفي جسده الذي هو الكنيسة. بهذا المعنى لا يكون اللاهوت نظاماً يفسِّر نفسه بنفسه، لأنه احتكام دائم إلى الرؤية الإيمانية : “إننا نعلن لكم ما رأيناه وسمعناه”. وخارج هذا الإعلان تبقى الصيغ اللاهوتية فارغة لا أهمية لها. ولذلك لن نأخذها “بشكل تجريد”، أي خارج إطار الإيمان. إننا نخطئ إذا اقتطعنا من النصوص الآبائية قطعاً وفصلناها عن المنظور الذي وُضعت فيه. وهذا يشبه خطأ استخدام آيات من الكتاب المقدس بعد نزعها من إطارها. ولذلك تبقى عادة “اقتباس” أقوال الآباء وعباراتهم خطرة إذا عزلناها عن المحيط الذي تأخذ فيه معناها الحقيقي وتصبح مليئة بالحياة. “إتِّباع الآباء” لا يعني فقط “اقتباس” أقوالهم والاستشهاد بها، بل يعني اقتفاء “فكرهم” وعقلهم (phronema).