وعلى أساس مفهوم الذبيحة الوثنية كانت قد تألفت “طبقة” كهنوتية في البلاد المجاورة للشعب المختار (مصر، سوريا، بابل وأشور، بالإضافة إلى الهند والصين واليونان وروما). وكان الكهنة أفراد هذه الطبقة خداماً للطقوس وحراساً للتقاليد الدينية وعرافين بمثابة لسان حال الآلهة. ثم جمعت هذه الأديان بين الوظيفة الكهنوتية والوظيفة الملكية في شخص واحد هو كاهن وملك في آن واحد، وهو تطور مهم جداً في التاريخ إذ أخضع الوظيفة الدينية للسياسة ووسم الأوضاع الاجتماعية بطابع القدسية. وهذا ما يساعدنا على فهم موقف الشهداء المسيحيين عند رفضهم الإذعان لأوامر قيصر الدينية. إذ لم يكن قيصر ملكاً فقط يمثل الدولة بل كان يمثل الإله أيضاً. كان الكاهن العظيم لله وبالتالي كان على المسيحيين أن يعبدوا قيصر دينياً. فكان رفضهم لأوامره تحطيماً للالتباس بين الروحي والزمني، بين الاجتماعي والديني، بين السياسي والكهنوتي. وقد حققوا ذلك بإهراق دمائهم، فحرروا الإنسان. لم يكن الإنسان قد تجرأ وأقدم على مثل هذا التغيير قبلهم.. فجاءت المسيحية وقالت: قدوس واحد هو الله. وإن الله ليس أسيراً لأي وضع أو شكل اجتماعي أو سياسي. فالإنسان بعد تمجيده للإله الحقيقي يبقى حراً في كل مجالات التفسير والإبداع. إن فينا كلنا عقلية قديمة تجعلنا نخلط بين ما هو أساسي جوهري وما هو ثانوي نسبي (كالوجه الشعري والتفاصيل والشكل). وهذه بالنتيجة حماقة نقضي بها فينا على الله الحيّ.