بدا هذا الأمر للقديس عظيماً إلى هذه الدرجة، وتألم كثيراً غير عالم في الحقيقة قصد القديس دميان، أنه قبل الهدية بسبب قسم المرأة، بل ظاناً أنه قبلها لقاء الشفاء. لكن الله العارف خفايا القلوب فهم بوضوح هدف القديس دميان، فلم يترك القديس كوزما منكسر القلب هكذا من شدة الحزن من أخيه، فظهر له في رؤية وهدّأ قلبَه موضحاً له بالحلم ما كان قصد أخيه من قبول الهدية، وإذ عاين القديس كوزما هذه الرؤية تصالح مع أخيه، لكنه لم يخبر الناس بالرؤية التي رآها. لذلك عندما رقد القديس كوزما لم يشأ الناس أن يدفنوا جسده الكريم حيث كان جثمان أخيه احتراماً لوصيته. لكن اسمعوا ما هي العجيبة الغريبة التي رتبها الله حول هذا الأمر. لهذا، اصبروا قليلاً لتعلموا أولاً كيف رقد القديسان وبعدها اسمعوا تلك العجيبة.
كما سبق وقلنا فإن مسيرة القديسين قادتهما إلى إحدى مناطق آسيا المدعوة “فرمان”، هناك مرض القديس دميان، الأخ الأصغر، إذ كانت مشيئة الله أن يرتاح من الفساد وينتقل إلى بهاء الفردوس الأزلي، فرقد بالرب وحملت روحَه ملائكةُ نور، أما جثمانه المقدس فقد وُضع من قبل أخيه كوزما وغيره من المسيحيين في تلك المنطقة المذكورة. وبعد عدة أيام رقد القديس كوزما. عندها وكما قلنا فإن المسيحيين، وبسبب وصية القديس كوزما ألاّ يدفنوه في نفس المكان مع أخيه دميان، لم يشاءوا أن يدفنوه بجانب أخيه. لكن ماذا رتب الله العجيب هنا؟ فيما كان المسيحيون يتناقشون لساعاتٍ طويلة حول هذا الموضوع، أي إذا كان عليهم ألاّ يدفنوه قرب أخيه عملاً بوصيته، أو إذا كان عليهم أن يدفناهما الواحد قرب الآخر لأنهما كانا أخوَين بالجسد، وإذ باللهُ يظهر للناس إرادته بواسطة جمل، كان القديس كوزما قد شفى رجليه المعلولتين، فصرخ هذا الجمل بصوت بشري قائلاً: إن رغبة الله أن يُدفن الأخوان معاً. عندها ذهب المسيحيون الذين استمعوا إلى الرؤية العجيبة وصعدوا إلى الجبل وصنعوا كما قال لهم الجمل.
هكذا أيها المسيحيون المباركون، لا يكن أحد منا غير مؤمن بهذه العجيبة لأن غير المستطاع عند البشر مستطاع عند الله، وعندما يشاء الله فإنه يغلب نظام الطبيعة. وإلاّ ماذا يرد في العهد القديم في سفر العدد كيف تكلم حمار العرّاف بلعام، مما يؤكد أن أمراً كهذا ليس غريباً إذا ما شاء الله أن يتكلم الجمل. هذا يكفي فيما يتعلق بهذه العجيبة.