(ج) وقال صاحب الاحتجاج الثالث:
«لو تأنيتُ عليهم أو كنت رفيقاً معهم، فإنهم يزيدون مضايقاتهم وإساءاتهم».
وللرد نقول:
* من أين تعرف أن الأعداء سيزيدون مضايقاتهم لك غداً؟ لا يستطيع أحد منا أن يتنبأ بما يأتي به الغد، فالغد في يد الرب. « فَلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ » (متى 6: 34) سيتدخل الرب في الوقت المناسب ليغير المضايقة إلى خير، كما قال يوسف لإخوته: « هَلْ أَنَا مَكَانَ اللهِ؟ 20أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرّاً، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْراً » (تكوين 50: 19، 20).
* وهناك حقيقة أخرى: إن الله يقف دوماً إلى جانب الذين يطيعون وصاياه. قال القديس أغسطينوس: «اعمل إرادة الله كأنها إرادتك، يعمل الله إرادتك كأنها إرادته». عندما تطيع الله يتحمل هو سبحانه كل ما ينتج عن طاعة أوامره. يأمرنا الرسول بولس « جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الْحُسْنَى. وَأَيْضاً أُرِيكُمْ طَرِيقاً أَفْضَلَ: الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ». فلو أننا أطعنا هذا الأمر المبارك يصبح الرب وليَّ أمرنا، والمسؤول عنا. والبركة دائماً على رأس المطيع.
* وهناك حقيقة ثالثة: ما أعظم الوصية الرسولية: « لاَ تُجَازُوا أَحَداً عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ.. إِنْ كَانَ مُمْكِناً فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ. لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ بَلْ أَعْطُوا مَكَاناً لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ. فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ، وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هَذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ». لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ، بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ» (رومية 12: 17-21).
المحبة التي تتأنى وترفق تغيِّر حياة المحب والمحبوب. إنها ترد الضال البعيد إلى بيت الآب. وكما أن محبة الله المتأنية الرفيقة تقودك لتفتح قلبك للمسيح المخلِّص ليملك على قلبك بمحبته، قدِّم أنت المحبة نفسها لمن يسيء إليك، لتردّ نفسه وتهديه إلى سبل البر.