القصة تقول:
ذكر عن أب راهب كان ساكناً في دير، مداوماً على الصمت، لكنه كان يغضب في بعض الأحيان أثناء اتصالاته ببعض الاخوة. فقال في نفسه "أمضى واسكن وحدي في مغارة وحيث لا يكون هناك أحد ساكناً معي فسوف أهدأ ويخف عني وجع الغضب". فخرج وسكن وحده في مغارة. وفي إحد الأيام ملأ (القلة) ماء ووضعها على الأرض، ولوقتها تدحرجت وانسكب ما فيها. فأخذها وملأها ثانية ووضعها. فانسكبت كذلك، وهكذا مرة ثالثة. فغضب وأمسكها وضربها على الأرض فتحطمت.
فلما هدأ ورجع إلى ذاته … وقال لنفسه "هوذا قد انغلبت وأنا في الوحدة كذلك. فلأذهب إلى الدير لأنه في كل موضع يحتاج الإنسان إلى معونة من الله."
[بستان الروح الجزء الأول ص 368- تأليف الراهب القمص شنوده السرياني.]
من هذه القصة يتضح لنا حقيقة النفس البشرية فلقد حاول الراهب أن يهذب نفسه بالصمت والابتعاد عن الناس وعاش في وحدة، ورغم ذلك فلا زالت طبيعته في الداخل كما هي، لم تتغير. فتحقق أخيراً أنه محتاج إلى معونة الله أي إلى النعمة المخلصة.
فالنعمة تقوم بتغيير القلب من الداخل حتى تصدر منه الصالحات، كما قال رب المجد "الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصالحات"(لو45:6). ولهذا فقد وضح أيضاً الرب حقيقة في غاية الأهمية بخصوص هذا الموضوع إذ قال "لا تقدر شجرة ردية أن تصنع أثمار جيدة" (مت18:7). لهذا فمن العبث أن نطلب من القلب الردئ أن يصنع أثماراً جيدة، إذ يلزم تغييره أولا ومن أجل ذلك قال رب المجد "اجعلوا الشجرة جيدة (لتكون) ثمرها جيداً" (مت22:12).
وهنا يعترضنا سؤال جوهري: فكيف يمكن تغيير هذا القلب؟ حقاً إنها مشكلة عويصة! فلا يمكن أن يتغير القلب إلا بمعجزة إلهية! نعم الأمر يحتاج إلى معجزة ينزع بها الرب القلب القديم ويضع عوضاً عنه قلباً جديداً. هذا العمل هو الذي وضحه بقوله "أعطيكم قلباً جديداً وأجعل روحاً جديدة في داخلكم. وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم. وأجعل روحي في داخلكم" (حز26:36).
هذا العمل لازم لكل نفس تريد أن تسلك في وصايا الله وتحيا بالقداسة. وإذ قد عرف هذا الأمر داود النبي نراه يصرخ للرب طالباً إجراء هذه العملية المعجزية فيقول "قلباً نقياً اخلق في يا الله وروحاً مستقيما جدد في داخلي" (مز10:51). ولا ولابد أن داود قد سمع بما حدث مع شاول الملك عندما دعاه الرب إذ قال له على لسان صموئيل النبي "يحل عليك روح الرب … وتتحول إلى رجل آخر" (1صم6:10).
ويسجل الكتاب إجراء هذه العملية له فيقول "وكان عندما أدار كتفه لكي يذهب من عند صموئيل أن الله أعطاه قلباً آخر" (صم9:10)
ولكن كيف تجرى هذه العملية؟ يوضح الكتاب الطريقة التي بها تتم في معرض حديثه عن الجماعة التي تبعت شاول الملك بعد التغيير فيقول "وذهب معه الجماعة التي مس الله قلبها" (1صم26:10).
آه يا أخي ليت الله يمس قلبك الآن فتتحول إلى رجل آخر!!