أما سقوط بابل العظيمة فيصفه كل من هيرودوت وزينوفون بالقول: إن الفرس حاصروها? ولكنهم وجدوا استحالة كسر أسوارها? أو اختراق أبوابها. وعرف القائد الفارسي أن نهر الفرات يجري تحت هذه الأسوار الضخمة باتساع كافٍ لمرور جيش. وكان رجلان من بابل قد هجرا مدينتهما وانضما إلى جيش فارس? فطلب كورش الفارسي من جيشه أن يحفر خنادق كبيرة لتحويل مجرى النهر? وطلب من الخائنَينْ وضع خطط الهجوم من داخل الأسوار. وكان البابليون يضحكون على أعدائهم العاجزين خارج الأسوار? فأقاموا حفلاً لآلهتهم شكراً لانتصارهم على فارس! ـ كما هو مسجل في سفر دانيال أصحاح 8 ـ دون أن يتنبهوا إلى أن كورش الفارسي قد حّوَل مجرى نهر الفرات من تحت أسوار بابل? وأنه يسير في مجرى النهر الجاف ليدخل مدينتهم. ولقد سقطت بابل بغير حرب بفضل الخائنَينْ وسُكْر أهل بابل! إقرأ إشعياء 21: 5? 44: 27? إرميا 51: 36. عن موت بيلشاصر إقرأ إشعياء 14: 18-20? إرميا 51: 57.
ويصف مرل أنجر سقوط بابل الهادئ فيقول: في 13 أكتوبر ـ ت 1 ـ 539 ق.م سقطت بابل في يد كورش الفارسي? ومنذ ذلك الوقت بدأ اضمحلال المدينة? فنهبها زركسيس. وحاول الإسكندر الأكبر إعادة بناء هيكلها العظيم? لكن النفقات الباهظة جعلته يتقاعس. وفي عهد خلفاء الإِسكندر اضمحلت المدينة بسرعة حتى أصبحت صحراء ـ 38 ـ .
والذي حدث أن خلفاء الإسكندر اختلفوا وتصارعوا? وجرت المعارك على أرض بابل ونهبتها الجيوش المتحاربة فأُخربت? وأخيراً صارت من نصيب السلوقيين. وكان إعادة بناء المدينة مكلّفاً جداً حتى قرر السلوقيون بناء مدينة جديدة? دعوها سلوقية? على بعد أربعين ميلاً شمال بابل? على نهر دجلة? فانتقلت المؤسسات والتجارة تباعاً إلى المدينة الجديدة فاضمحلت بابل شيئاً فشيئاً حتى ماتت. وقد زار سترابو بابل في أثناء حكم أغسطس ـ 27 ق.م - 14 م ـ وقال: لقد صارت المدينة العظيمة صحراء . وفي عام 116 زار تراجان بابل في أثناء حملته على البارثيانيين ووجد المدينة ركاماً فوق ركام!
وفي عام 363 م حارب الإمبراطور جوليان الساسانيين حكام فارس? وأخرب أسوار بابل التي كان الساسانيون قد أعادوا بناءها. واليوم? على مسافة 44 ميلاً جنوبي بغداد تجد الحطام المغطاة بالرمال? التي كانت يوماً بابل العظيمة ! ـ 57 ـ .
وقد قال أحد علماء الآثار: شتان ما بين عظمة الحضارة الماضية والخراب الحالي ـ نبوة رقم 1 ـ الذي تجول فيه الحيوانات المتوحّشة من بنات آوى والضباع والذئاب وأحياناً الأسود ـ نبوة 5 ـ ـ 50 ـ . وقارن رجال الحفريات بين أسوار المدن القديمة وأسوار بابل? ففي مدن أخرى يتراوح سُمك الأسوار بين ثلاثة وسبعة أمتار? أما في حالة بابل فسُمك الأسوار بين 17 و 22 متراً! ويبلغ ارتفاع الأتربة التي تغطي حطام الأسوار ما بين مترين وستة أمتار? أما في حالة بابل فهو من 12 إلى 24 متراً! ـ 57 ـ .