3 - بقي برغم النقد. حاول الملحدون على مدى ثـمانية عشر قرناً أن يلقوا بالكتاب جانبا، لكنه بقي كصخرة صامدة، زاد توزيعه، وزاد حب الناس له، لـم يؤثر فيه نقد النقاد كما لا يؤثر خبط مطرقة صغيرة في بناء الهرم. عندما حاول الملك الفرنسي أن يضطهد المسيحيين في دولته قال له محارب قديم من رجال الدولة: "يا سيدي، إن كنيسة اللّه هي السندان الذي أبلى كل المطارق". ولقد حاولت مطارق كثيرة إيذاء الكتاب المقدس، فبليت هي وبقي هو ! ولو لـم يكن هذا هو كتاب اللّه، لدمَّره البشر منذ زمن طويل. لقد حاول ملوك وبابوات، وأباطرة وكهنة، وأمراء وحكام أن يمدُّوا أيديهم إليه بالأذى، فماتوا هم، وبقي هو حياً (5). لقد أعلن البعض، آلاف المرات، موت الكتاب، ورتّبوا جنازته، وجهزوا شاهد قبره، لكن الكتاب ظل حياً، ولـم يحدث أن كتاباً آخر لقي كل هذه الغربلة والطعنات، فأي كتاب من كتب الفلسفة أو المذكرات لقي ما لقيه الكتاب المقدس من تجريح، على كل آية فيه .. ولكن الكتاب المقدس بقي محبوباً من الملايين، يقرأه الملايين ويدرسه الملايين، لأنه يملأ احتياجات الملايين.
وقد جاءت موجة ما سُمِّيت "بالنقد العالي" للكتاب، ولكنها سقطت الآن. قالوا مثلاً إن موسى لـم يكتب الأسفار الخمسة، لأن الكتابة لـم تكن معروفة زمن موسى، فلا بد أن الكاتب جاء بعد زمن موسى. بل إن النقاد قسموا كل آية إلى ثلاثة أجزاء، وعزوا كل جزء إلى كاتب معيَّن، وهكذا بنوا ما دعوه "النقد العالي" !
ولكن العلم اكتشف شريعة حمورابي، الذي كان سابقا لموسى، وسابقاً لإبراهيم (2000 ق.م.) فكانت الكتابة قبل موسى بثلاثة قرون على الأقل، ولا زال العلماء يدرسون "النقد العالي" ولكن باعتبار أنه نظرية خاطئة.
ومضى النقاد يقولون إن أسوار أريحا لـم تسقط في مكانها كما ورد في يشوع 20:6. ولكن الحفريات برهنت صدق القصة الكتابية. وقال النقاد إنه لـم يكن هناك شعب اسمه "الحثّيون" لأننا لـم نجد لهم مكاناً في التاريخ العالمي ولكنهم كانوا مخطئين، فقد كشفت الحفريات عن مئات الإشارات إلى الحضارة الحثية التي استمرت نحو 1200 عام. وقد قال العالـم اليهودي نلسون جليك (يُعتبر أحد أعظم ثلاثة علماء للحفريات) : "لقد اتَّهموني أني أعلّم بالوحي الحرفي الكامل للكتب المقدسة، وأحب أن أقول إنني لـم أقل هذا. ولكني لـم أجد في كل بحوثي في الحفريات ما يناقض أي عبارة من كلمة اللّه" (9).
لقد وقف الكتاب وقفة فريدة في وجه النّقاد، لـم يثبت كتاب آخر غير في مثل هذا الموقف كما ثبت هو. وكل من يفتش عن الحق، عليه أن يدرس هذا الكتاب ليجده فوق كل نقد !.