3 – التعليق العلمي والكتابي على ما جاء في مقدمة القديس لوقا:
(أ) يقول نص الآية حسب الترجمة البيروتية (فانديك): " إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ في الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا، كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ، وَخُدَّاماً لِلْكَلِمَةِ، رَأَيْتُ أَنَا أَيْضاً إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَوَّلِ بِتَدْقِيقٍ،أَنْ أَكْتُبَ عَلَى التَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ ثَاوُفيلُسُ، لِتَعْرِفَ صِحَّةَ الْكَلاَمِ الَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ ".
(ب) وحسب ما جاء في الترجمة اليسوعية: " لَمَّا أَن أَخذَ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ يُدَوِّنونَ رِوايةِ الأُمورِ الَّتي تَمَّت عِندنَا، كما نَقَلَها إلَينا الَّذينَ كانوا مُنذُ البَدءِ شُهودَ عِيانٍ لِلكَلِمَة، ثُمَّ صاروا عامِلينَ لها، رَأَيتُ أَنا أَيضاً، وقَد تقَصَّيتُها جَميعاً مِن أُصولِها، أَن أَكتُبَها لَكَ مُرَتَّبَةً يا ثاوفيلُسُ المُكرَّم، لِتَتَيَقَّنَ صِحَّةَ ما تَلَقَّيتَ مِن تَعليم ".
(ج) وحسب ما جاء في الترجمة المشتركة: " لأنَّ كثيرًا مِنَ النّاسِ أخَذوا يُدَوِّنونَ رِوايةَ الأحداثِ الّتي جَرَت بَينَنا، كما نَقَلَها إلَينا الّذينَ كانوا مِنَ البَدءِ شُهودَ عِيانٍ وخدّامًا للكَلِمَةِ، رأيتُ أنا أيضًا، بَعدَما تتَبَّعتُ كُلَّ شيءٍ مِنْ أُصولِهِ بتَدقيقٍ، أنْ أكتُبَها إليكَ، يا صاحِبَ العِزَّةِ ثاوفيلُسُ، حسَبَ تَرتيبِها الصَّحيحِ، حتّى تَعرِفَ صِحَّةَ التَّعليمِ الّذي تَلقَّيتَهُ ".
وعند دراستنا لهذه الآيات والنصوص دراسة كتابية ولغوية وعلمية ولاهوتية يتضح لنا الآتي:
1 – يقول القديس لوقا هنا " إِذْ كَانَ"، أو " لما أن " أو " لأن ". وهنا يستخدم كلمة " evpeidh,per- Epeideeper " والتي تستخدم مرة واحدة فقط في العهد الجديد، هنا فقط، ككلمة مركبة من "epe " وتعني " since- حيث أو بما أن "، وكلمة " dee " وتعني " كما هو معروف جيداً – as is well known " وكلمة " per " وتعطي معنى التأكيد، وتشير إلى حقيقة معروفة جيداً وهي " بقدر ما هو كائن ". وتأتي هنا سببية لما سيقوم به القديس لوقا. وبهذا الاصطلاح يُنبيء القديس لوقا أنه نوى أن يستخدم ما قام به الكثيرون من قبل إيجابياً ليعزز ما سيقوله هو، مؤكدا أن دقته مع هذه الكثرة ستأتي بالجديد الكامل. فالكلمة هنا تعني التأكيد.
ثم يقول " قَدْ أَخَذُوا " أو " أَخذَ كثيرٌ مِنَ النَّاسِ " وترجمتها الحرفية في الإنجليزية "Have taken in hand "، وهي في اليونانية " evpecei,rhsan - epecheireesan " وهي اصطلاح كان يستخدم في اللغة الطبية بكثرة ويحمل معنى المهمة الصعبة التي تكلل بالنجاح الكامل مثل التعبير المستخدم في أعمال " فشرع قوم " (أع19: 13)، أي شرعوا في مهمة صعبة ولكنها ستكلل بالنجاح.
ثم يكمل حديثه بقوله: " بِتَأْلِيفِ " أو " يُدَوِّنونَ " والتي ترجمت في الإنجليزية " To set forth in order " وهي في اليونانية " avnata,xasqai - anataxasthai "، ولم تستخدم في العهد الجديد سوى هنا فقط، وهي مكونة من مقطعين " tassoo " والذي يعني يرتب أو يوضع مرتباً و " ana " والذي يعني " up " ومن ثم تعني الكلمة " draw up "؛ " يرتب " أو " يصنف "، وتفيد التجميع والترتيب. والتجميع هنا لمقولات وروايات شفهية ومكتوبة وهذا يؤكد دقة التسليم الشفوي والمكتوب الذي تم تسليمه من رسل المسيح للمؤمنين الأول في الكنيسة الأولى.
" قِصَّةٍ " أو " رِوايةِ " والتي تترجم في الإنجليزية " account " أو " narrative "، وهي في اليونانية "dih,ghsin- dieegeesin " وتتكون من " dia " وتعني " خلال – through " و " heegeomai " وتعني " يقود الطريق إلى " ومن ثم فقد ترجمت " رواية – narrative "، أي يروي رواية متصلة. والكلمة كانت مستخدمة طبيا بكثافة فقد استخدمها الطبيب اليوناني الشهير أبوقراط (Hippocrates) أكثر من 73 مرة، ولم تستخدم في العهد الجديد سوى هنا فقط. وهي هنا تفيد رواية التقليد الرسولي المسلم للكنيسة من رسل المسيح.
" الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ " أو " الأُمورِ الَّتي تَمَّت " والمترجمة في الإنجليزية " Which are most surely believed " والتي جاءت في اليونانية " peplhroforhme,nwn - peplhroforhme,nwn ". والمركبة من " pleerees " وتعني " ملء – كمال – full " و " foreoo " وتعني " يحضر "؛ أي يأتي بالمقياس الكامل أو التأكيد الكامل. كما تعني ملء الأقتناع، وهو هنا يقصد الأمور التي حدثت والتي يعرفونها جيداً إلى أقصى ملء قياسها. كما يعني قوله " عِنْدَنَا " h`mi/n– hemin "أ أي عندنا نحن المؤمنين أعضاء الكنيسة، فقد تمت بيننا وعشناها وحفظناها.
2 – ثم يقول " كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة " أو " كما نَقَلَها إلَينا الَّذينَ كانوا مُنذُ البَدءِ شُهودَ عِيانٍ لِلكَلِمَة، ثُمَّ صاروا عامِلينَ لها " أو " كما نَقَلَها إلَينا الّذينَ كانوا مِنَ البَدءِ شُهودَ عِيانٍ وخدّامًا للكَلِمَةِ " (لو 1: 2). أي كما سلمها لنا تلاميذ المسيح ورسله الذين كانوا شهود عيان لهذه الأحداث، وقد عاشوها بأنفسهم وكانوا قلبها وبؤرتها.
وكلمة " كما -kaqw.jj – kathoos " هنا تعني " even as " ولا تعني هنا التساوي بل بمقتضى أو " من واقع ". وكلمة " سلمها " هي في اليونانية "pare,dosan- paredoosan " و " لنا - h`mi/n - heemin "؛ " كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا " أو " كما نَقَلَها إلَينا "؛ وتعني هنا التسليم الرسولي وهي مختصة في التقليد الرسولي بتسليم الأسرار - فماً لأُذن. وهذا ما صفه القديس بولس بقوله:
+ " حسب التعليم (التسليم) الذي أخذه منا " (2تس3: 6).
+ " وتحفظون التعاليم (التسليم) كما سلمتها إليكم " (1كو11: 2).
+ " فاثبتوا إذا أيها الأخوة وتمسكوا بالتعاليم (بالتسليم) التي تعلمتموها سواء كان بالكلام أم برسالتنا " (2تس2: 15).
+ وأيضاً قوله " لأنني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضا " (1كو11: 23).