"فقالوا له أيضًا:
ماذا صنع بك؟
كيف فتح عينيك؟" [26]
عادوا لاستجوابه بطريقة أخرى لعلهم يجدون في إجابته ما يناقض ما سبق فقاله، فيجدون علة على السيد المسيح. أرادوا أن يسألوه عن كيفية تفتيح عينيه لعله استخدم طريقة شيطانية. أما الشاب فضاقت نفسه من أسلوبهم غير اللائق، فلم يجب عليهم، بل رد السؤال بسؤال إن كانوا يريدون أن يتتلمذوا له، حاسبًا نفسه أنه تلميذ يسوع.
"أجابهم: قد قلت لكم ولم تسمعوا،
لماذا تريدون أن تسمعوا أيضًا؟
ألعلكم أنتم تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟" [27]
جاءت إجابته تحمل روح الصراحة والشجاعة والشهادة الحية للسيد المسيح، كما جاء سؤاله لهم فاصلاً أن يختاروا أحد أمرين: التلمذة للسيد المسيح كما يتتلمذ هو على يديه، أو وقف الحوار معه. فإنه ليس من مجالٍ للحوار.
+ ماذا كانت إجابته؟ إذ غلبهم وأسقطهم لم يعد يتحدث في خضوعٍ لهم. إذ كان الأمر يحتاج إلى سؤال وحوار تحدث معهم بحذرٍ حتى يأتي بالبرهان. وإذ غلب ونال نصرة فائقة تشجع ووطأ عليهم.
+ ألا ترون كيف يتحدث شحاذ بجرأة أمام الكتبة والفريسيين؟ هكذا الحق قوي والباطل ضعيف. إذ يتمسك أناس عاديون بالحق يصيرون ممجدين، أما الباطل وإن استخدمه أقوياء يصيرون ضعفاء.
وما قاله هو هذا: "إنكم لم تلتفتوا إلى كلماتي، لهذا لا أعود أتكلم وأجيبكم بعد، إذ تسألونني بلا هدف، ولا ترغبون أن تسمعوا لتتعلموا، وإنما لكي تسيئوا إلى كلماتي.
+ بقوله: "ألعلكم أنتم تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟" رتب نفسه في صف تلاميذ السيد المسيح، لأن قوله هذا واضح أنه صار تلميذًا للسيد المسيح. عندئذ سخر بهم وضايقهم جدًا. فإذ كان يعلم هذا يضرب بهم بشدة. قاله لهم، لكي يوبخهم بقسوة شديدة. هذا عمل نفس شجاعة تحلق في الأعالي، وتحتقر جنونهم، وتشير إلى عظمة هذه الكرامة (للتلمذة له)، إذ كان واثقًا جدًا، وأظهر لهم أنهم يشتمون من هو مستحق للإعجاب، لكنه لا يبالي بشتيمتهم إليه بل ما يقدمونه توبيخًا هو كرامة له.
القديس يوحنا الذهبي الفم
+ ماذا يعني قوله: "ألعلكم أنتم تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟" فمن جهتي أنا قد صرت فعلاً هكذا، أتريدون أنتم أيضًا؟ إنني الآن أرى، أرى بدون ارتياب.
القديس أغسطينوس