سأتوقّف على حادثة سكب الطيب على يسوع في بيت عنيا، فهي تحتوي سرّ المجدليّة. بحسب إنجيل يوحنّا، المرأة الّتي سكبت الطيب هي مريم أخت لعازر. سكبت الطيب على رجلي يسوع ومسحته بشعرها، كما في حادثة المرأة الخاطئة في لوقا (7: 36-50). في الحالتين لم يفهم الحاضرون مغزى ما حصل.
أمّا إنجيل مرقس فيخبرنا أنّ المرأة “كسرت القارورة”
وأفرغت محتواها على رأس يسوع، وعبق الطيب في البيت.
إذّاك تململ التلاميذ قائلين: لِم لم يُبَع هذا الطيب ويُعطى
ثمنه للفقراء؟ كثيرًا ما يكون هذا السؤال سؤالنا.
أمام حبّ متدفّق نشكو من ضعف حبّنا فنهرب بالأفكار وبالانتقاد. ظاهريًّا المنطق سليم: أليس إكرام الربّ أعظم
حين نكرم الفقير؟ ولكنّ مريم فهمت ما لم يفهمه التلاميذ، والربّ أثنى على عملها: قامت مريم بحركة نبويّة
وطيّبت جسد الربّ سالفًا للدفن، وكـأنّها فهمت
أنّ حبّ الربّ سيقوده إلى الموت، إلى الهدر
كما يُهدر الطيب، وكأنّها فهمت أنّها لن تستطيع
تطييب جسده بعد الموت لأنّ حبّه أقوى من الموت،
وكأنّها فهمت أنّ طيب حبّه سيملأ المعمورة كما ملأت رائحة الطيب البيت حيث كان الربّ: “حيثما تُعلن البشارة في العالم كلّه يُحدّث أيضًا بما صنعت هذه، إحياء لذكرها” (مرقس 14)