دروس وعبر
يتضمن سفر يونان درساً قيّماً للإنسان في كل العصور، فمنه نعلم أن اللّه تعالى هو إله البشر كافة وأنه لم يدع نفسه بدون شاهد حتى لدى الأمم التي كانت بعيدة عن ينابيع الشريعة الإلهية المكتوبة، فهذه الأمم لم تخرج عن دائرة العناية الربانية والرعاية الإلهية وقد أعطاها ناموس الضمير، وصار لها بعدئذ نصيب في الميراث بابنه الحبيب ربنا يسوع المسيح. لأن اللّه، «يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون». لأنه إله رحيم. ورسالة الخلاص هذه حملها تلاميذ الرب إلى العالم أجمع وبها استطاعوا أن يدحروا العنصرية اليهودية البغيضة، وينفتحوا على العالم بنور المسيح، ويفتحوا أبواب الملكوت، فجاءت الأمم من المشارق والمغارب واتّكأوا في أحضان ابراهيم، أما بنو الملكوت فطرحوا إلى الظلمة الخارجية...
وإن أهل نينوى بصومهم وتوبتهم أعطوا الكنيسة مثالاً ففرضت الصوم على المؤمنين في وقت الشدة. ليعودوا إلى الرب نادمين تائبين ويتركوا الشرور، ويمزقوا قلوبهم لا ثيابهم، وليأخذوا لحياتهم من حياة النبي يونان دروساً خالدة، وعبراً قيمة، فلا يهربون من حمل رسالة يريدهم اللّه أن يحملوها مهما كانت ثقيلة كما فعل يونان، ولا يحزنون إذا ما رأوا الخطاة عائدين إلى اللّه بالتوبة كما اغتمّ يونان، بل أن يسعوا لخلاص نفوسهم وخلاص الناس كل الناس، مهما كان لونهم ولغتهم، وقوميتهم، وعقيدتهم الدينية، وليبتهجوا مع ملائكة السماء بخاطئ واحد يتوب. وإلاّ فإن رجال نينوى سيقومون في الدين معهم ويدينونهم لأنهم تابوا بمناداة يونان وها هو المسيح يسوع أعظم من يونان بل هو رب يونان، وهو الطبيب السماوي الذي «لم يأتِ ليدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة» فلنسمع صوته الإلهي ولنطِعْه فهو لا يزال ينادي ويقول: «قد كمل الزمان واقترب ملكوت اللّه. فتوبوا وآمنوا بالإنجيل».