يوم الميلاد أعلنت السماء فرحتها بميلاد ماسيا الذي انتظرته الشعوب والأجيال, فأنحدر الملاك من السماء ووقف برعاة بسطاء يسهرون على أغنامهم يحرسونها حراسات الليل على هضاب بيت لحم أفراثا. ومن أجدر من الرعاة بالبشارة بولادة الحمل الوديع(حمل الله الرافع خطايا العالم) كما دعاه يوحنا المعمدان بعدئذ؟!
ولما وقف الملاك بالرعاة أضاء مجد الرب حولهم فخافوا خوفاً عظيماً, وسقطوا على وجوههم, ذلك أن الناموس كان قد كشف سر الخطية, وقدر حجمها, ولكنه لم يصف لها الدواء الناجح. وكانت الخطية تعذب ضمير الإنسان فيرى نفسه هالكاً لا محالة لآن الغضب الإلهي مستر وجمره ملتهب متقد, لذلك فرؤية الملاك الذي يمثل السماء يخيف الإنسان من السماء الغاضبة. ولكن الملاك يطمئن الرعاة ويحول خوفهم العظيم إلى فرح عظيم قائلاً: لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب و هذه لكم العلامة تجدون طفلا مقمطاً مضجعا في مذود. و ظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله و قائلين (المجد لله في الأعالي و على الأرض السلام و بالناس المسرة)(لو2: 10-14) يا لها من قصيدة بديعة فريدة يتيمة, نظمتها السماء ولحنتها وأنشدتها, وقد أنعم على الأرض, لأول مرة بعد دخول الخطية إليها, أن تسمع ألحان المجد الشجية وأنغام السلام الروحية يوقعها على قيثارة الروح ملائكة السماء معلنين بهجة الخلقيتين المنظورة وغير المنظورة بالحدث العظيم ألا وهو ميلاد المخلص والذي هو المسيح الرب, الذي به زال الخوف وعمت الطمأنينة وكسر السيف الملتهب الذي قبض عليه الكروبيم أمام جنة النعيم لحراسة طريق شجرة الحياة ونقض سياج العداوة بين الإله والإنسان, وحل السلام وتبددت الأحزان وامتلأت القلوب مسرات وأفراحاً. فحق للملاك أن يبشر بفرح عظيم يكون لجميع الشعب, ذلك أن المسيح المولود في بيت لحم هو مسيح العالم كله. لا فرق لديه بين أمة وأمة, ولغة ولغة, لا فرق بين رجل وامرأة, شيخ وطفل, غني وفقير, كبير وصغير فهو الكل في الكل(كو3: 11) وهو للكل على اختلاف أجناسهم وحضاراتهم وطبقاتهم الاجتماعية ومذاهبهم الدينية لأنه جاء ليكسّر إطارات الأنانية المقيتة والعنصرية البغيضة والتعصب الذميم وينشر البهجة والسرور في قلوب الناس ونفوسهم, ويهب الراحة والسلام لضمائرهم. ألم تفرح العذراء مريم فرحاً روحياً عارماً لما قالت لها اليصابات نسيبتها(مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك, فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليّ)(لو1: 42و43). فأنشدت مريم أنشودتها الخالدة, وتهللت قائلة: (تعظم نفسي الرب, و تبتهج روحي بالله مخلصي, لأنه نظر الى أتضّاع أمته, فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوّبني, لأن القدير صنع بي عظائم)(لو1: 46-49).