![]() |
يُدفن فيه الإنسان العتيق إلى أسفل ويغرق كله
* فإن قلت: ما هو معنى هذا القول الذي قاله المسيح لنيقوديموس؟ أجبتك: "أراد المسيح أن يبعده عن التخيل الذي في الولادة الجسدية، وكأن المسيح يقول له يا نيقوديموس، إنما أقول أنا عن ولادة أخرى، فما بالك تسحب قولي إلى الأرض؟ لماذا تخضع هذا الفعل تحت ضرورة الطبيعة؟ فهذا الميلاد هو أعلى سموًا من مخاض الطلق التي هذه حالها، ابعد نفسك عن ما هو عام وشائع، فإنني أُدخل إلى العالم ولادة أخرى، وأشاء أن يولد الناس من جديد بطريقٍ آخر. لقد جئت لأجلب وسيلة جديدة للخلقة. لقد خلقت الإنسان من أرض وماء، ولكن ما قد تشكل ليس بنافع، فقد انحرف الإناء عن هدفه. لست أعود أشكله بتراب وماء بل بالماء والروح. فإن سأل سائل: كيف يُخلق الله الإنسان من ماء؟ وأنا أسأله: وكيف خلقه من أرض؟ وكيف تقسم الطين إلى أجزاء مختلفة؟ من أين تكونت عظام الإنسان وأعصابه وشرايينه وأوردته؟ من أين أغشيته وأطرافه الآلية وغضاريفه وكبده وطحاله وقلبه؟ من أين تكوَّن جلده ودمه ولعابه وصفراه ومرارته؟ من أين أفعاله الجزيل تقديرها؟ من أين ألوانه المختلفة، لأن هذه الأجزاء ليست أجزاء أرض، ولا أجزاء طين. وكيف إذا قبلت البذور الأرض تنبتها، وإذا قبل جسمنا البذور يعفنها؟ كيف تغذي الأرض البذور التي تُطرح فيها وجسمنا يتغذى على هذه البذور؟ تتقبل الأرض الماء فتجعله خمرًا، وجسمنا يقبل الخمر فيجعله ماءً. فلست أقدر أن أتحقق بفكري من أن هذه الأصناف جاءت من الأرض، إذ أن الأرض تضاد جسدنا بهذه الأصناف المذكورة، إلا أنني بتصديقي وإيماني بالله وحده أقبل أنها من الأرض. فإن كانت تلك الأصناف المكونة كل يوم والملموسة تحتاج إلى تصديق وإيمان، فالأصناف الروحانية أولى وأليق أن تحتاج إلى تصديق وإيمان. وكما أن الأرض الغير متحركة حين أُيدت بإرادة الله تكونت منها هذه العجائب الجزيل عددها، هكذا إذا حضر الروح في الماء تتكون وأيسر مرام هذه الأفعال البديعة الفائقة على فكرنا... وإن سأل سائل: وما الحاجة إلى الماء في هذه الولادة؟ أجبته: إن هذه الولادة تعمل وتتمم دلائل إلهية: قبر ودفن وإيمان وحياة وقيامة، وهذه كلها تتكون في المعمودية معًا، لأننا إذا غطسنا رؤوسنا في الماء، كأننا نغطسها في قبر من القبور، يُدفن فيه الإنسان العتيق إلى أسفل ويغرق كله، ثم إذا رفعنا رؤوسنا يطلع الإنسان الجديد أيضًا. القديس يوحنا الذهبي الفم |
| الساعة الآن 06:35 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025