![]() |
انه يستحق العفو بما لا يقاس من أولئك الذين يفعلون هكذا بنية شريرة
* لقد تردد نيقوديموس على المسيح، لكن ليس كما كان يليق، ولا بتمييز لائقٍ، لكن الضعف اليهودي كان لا يزال مستحوذًا عليه بعد، ولهذا السبب جاء ليلًا خائفًا من أن يجيء إليه نهارًا. ومع هذا فإن الله الرحوم لم يرذله ولا انتهره، ولا حرمه من تعاليمه، وإنما في حنوٍ شديدٍ حاوره، وكشف له تعاليم سامية للغاية، حتمًا كانت مبهمة إلا أنه كشفها له. فانه يستحق العفو بما لا يقاس من أولئك الذين يفعلون هكذا بنية شريرة. هؤلاء بلا عذر تمامًا، أما هو وإن كان يستحق اللوم لكن ليس بذات الدرجة. * وإن كان نيقوديموس تخلف، إلا أنه فكر فيه بطريقة بشرية، فتحدث عنه كأنه نبي، متوهمًا أنه قال عنه أمرًا عظيمًا من خلال معجزاته. يقول: "يا معلم نعلم أنك أتيتمن الله معلمًا"[2]. " فلماذا أتيت ليلًا في الخفاء إلى ذاك الذي يتكلم بأمور الله، ذاك الذي أتى من الله؟ لماذا لم تحاوره علانية؟ لم يقل له يسوع شيئًا من هذا، ولا انتهره. إذ يقول النبي: "قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ" (إش 42: 2-3؛ مت 12: 19-20). مرة يقول السيد نفسه: "لم آت لأدين العالم بل لأخلص العالم" (يو 12: 47). * "لأنه ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل، إن لم يكن الله معه".[2] لاحظ تنازل المسيح المتزايد. فانه قد أحجم إلى حين عن القول: "لست محتاجًا إلى عون آخرين، إنما أفعل كل شيء بسلطانٍ، لأنني ابن الله ذاته، ولي ذات سلطان أبي"، فإن هذا كان صعبًا على سامعه... ولهذا فإنه في مواضع كثيرة كان كمن يضع لنفسه حدودًا، أما في أفعاله فلم يفعل هكذا. فعند ممارسته معجزة، يصنع كل شيءٍ بسلطان، فيقول: "أريد فأطهر" (مت 8: 3)؛ "طليثا، قومي" (مر 5: 41)؛ "مد يدك" (مر 3: 5)؛ "مغفورة لك خطاياك" (مت9: 2)؛ "اسكت، ابكم" (مر 4: 39). "احمل سريرك واذهب إلى بيتك" (مت 9: 6). " أيها الروح النجس، لك أقول أخرج منه" (مت 15: 28)." إن سألكما أحد، قولا: الرب محتاج إليه" (مر 11: 3)." اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 43).. "سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل... وأما أنا فأقول لكم من يغضب على أخيه باطلًا يكون مستوجب الحكم" (مت 5: 21-22)." هلم ورائي فأجعلكما تصيران صيادي الناس" (مر 1: 17). في كل موضع نلاحظ أن سلطانه عظيم، فإنه في عمله لا يمكن لأحد أن يمسك عليه خطأ... أما في أحاديثه فربما في جنونهم يتهمونه بالجنون. لذلك في حالة نيقوديموس لم يتكلم علانية، بل قاده بكلمات غامضة أن لديه سلطانًا في ذاته يظهر معجزات، فقد ولده الآب كاملًا، فيه الكفاية المطلقة بلا نقص قط. القديس يوحنا الذهبي الفم |
| الساعة الآن 08:21 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025