![]() |
حياة الغَنِيِّ والفقير لعازر بعد الموت (لوقا 16: 23–31)
حياة الغَنِيِّ والفقير لعازر بعد الموت (لوقا 16: 23–31) موت الغني ودفنه: مَاتَ الغَنِيُّ وَدُفِنَ (لوقا 16: 22). وَكَانَتْ جَنَازَتُهُ فَاخِرَةً تَحُفُّهَا الْعَظَمَةُ وَالْجَاهُ. ذُكِرَتْ كَلِمَةُ "دُفِنَ"، أَيْ سُتِرَ جَسَدُهُ وَأُوْرِيَ التُّرَابَ. حَضَرَ النَّائِحُونَ الْمَأْجُورُونَ وَالْدُّمُوعُ الْمُصْطَنَعَةُ، مَعَ دُمُوعِ الأَهْلِ وَالْمُحِبِّينَ. وَلَكِنْ لَمْ يُذْكَرْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانُوا حَاضِرِينَ، إِذْ لَمْ يُلاَزِمُوهُ فِي مَوْتِهِ، فَانْفِصَالُهُ عَنِ اللهِ كَانَ مُحَتَّمًا. موت لعازر وحمله إلى حضن إبراهيم: أَمَّا لَعَازَرُ، فَلَمْ يُذْكَرْ شَيْءٌ عَنْ دَفْنِهِ. رُبَّمَا نَقَلَهُ ذَوُو الرَّحْمَةِ إِلَى مَقْبَرَةِ الْفُقَرَاءِ، وَلَكِنَّ الْإِنْجِيلَ يَقُولُ: "وَحِينَ مَاتَ الْفَقِيرُ، حَمَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ" (لوقا 16: 22). إِنَّهُ مَوْتٌ يَتَحَوَّلُ إِلَى لِقَاءٍ مَعَ الرَّبِّ، لا إِلَى فُرَاقٍ. وَيُؤَكِّدُ سِفْرُ الْحِكْمَةِ: "أَمَّا نُفُوسُ الأَبْرَارِ فَهِيَ بِيَدِ اللهِ، فَلاَ يَمَسُّهَا أَيُّ عَذَابٍ… وَلَكِنَّهُمْ فِي سَلاَمٍ… رَجَاؤُهُمْ كَانَ مَمْلُوءًا خُلُودًا" (الحكمة 3: 1–4). فَلَعَازَرُ دَخَلَ مَسْكَنَ السَّلاَمِ، حَيْثُ لَا جُوعَ وَلَا أَلَمَ وَلَا قَهْرَ. وعي الغني بعد الموت: إِنَّ انْفِصَالَ الْغَنِيِّ عَنِ اللهِ جَعَلَهُ يُدْرِكُ وَهْمَ الثَّرْوَاتِ. فَكُلُّ وَلَائِمِهِ وَتَرَفِهِ لَمْ يَسْتَطِيعَا أَنْ يَغْلِبَا الْمَوْتَ. وَحِينَ رَأَى لَعَازَرَ فِي حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ، شَعَرَ بِقَسْوَةِ مَصِيرِهِ. قَالَ الْقِدِّيسُ يُوحَنَّا الذَّهَبِيُّ الْفَم: "عَذَابُهُ يَتَزَايَدُ بِرُؤْيَتِهِ أَفْرَاحَ الْفَقِيرِ". أَدْرَكَ الْغَنِيُّ مُتَأَخِّرًا أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُشْرِكَ لَعَازَرَ فِي نِعَمِ اللهِ، لَكِنَّهُ فَضَّلَ الْأَنَانِيَّةَ وَالْإِهْمَالَ. الفقراء طريق إلى الله. تُعَلِّقُ الأُمُّ تِرِيزَا قَائِلَةً: "سَوْفَ نُدْرِكُ فِي السَّمَاءِ مَا قَدَّمَهُ الْفُقَرَاءُ لَنَا، لِأَنَّهُمْ طَرِيقُنَا إِلَى قَلْبِ اللهِ". إِنَّ الْفَقِيرَ لَا يَطْلُبُ مِنَّا صَدَقَةً فَقَطْ، بَلْ يَطْلُبُ حَقَّهُ الَّذِي أَوْدَعَهُ اللهُ فِينَا. فَمَسَاعَدَتُنَا لِلْمُحْتَاجِ لَيْسَتْ عَمَلَ شَفَقَةٍ، بَلْ عَمَلَ عَدْلٍ وَرُؤْيَةٌ لِيَسُوعَ فِيهِ. وَفِي كَلِمَاتِ الأُمِّ تِرِيزَا: "أَرَى اللهَ فِي كُلِّ إِنْسَانٍ. وَعِنْدَمَا أَغْسِلُ جِرَاحَ الْمُتَأَلِّمِ، أَشْعُرُ بِأَنَّنِي أُدَاوِي اللهَ نَفْسَهُ". مَوْتُ الْغَنِيِّ كَانَ نِهَايَةَ الْمَجْدِ الْبَشَرِيِّ وَبِدَايَةَ الْخُسْرَانِ الأَبَدِيِّ. ومَوْتُ لَعَازَر كَانَ دُخُولًا إِلَى الْحَيَاةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي حِضْنِ اللهِ. الْعَدْلُ الإِلَهِيُّ يُقَلِّبُ الْمَوَازِين: مَنْ تَغَافَلَ عَنْ مَعُونَةِ الْفُقَرَاءِ يَجِدُ نَفْسَهُ مَحْرُومًا مِنْ مَعُونَةِ اللهِ. انقلاب الموازين في حضرة الله: قَلَبَ الْمَسِيحُ الْمَقَايِيسَ وَالْمَوَازِينَ. فَإِبْرَاهِيمُ أَبُو الْمُؤْمِنِينَ يَتَصَدَّرُ الْوَلِيمَةَ، وَإِلَى جَانِبَيْهِ فِي مَرْكَزِ الْكَرَامَةِ يَجْلِسُ لَعَازَرُ الْفَقِيرُ. هُنَا تَحَوَّلَ لَعَازَرُ فَقِيرُ الأَرْضِ إِلَى غَنِيٍّ فِي السَّمَاءِ، وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَصَارَ فَقِيرًا يَتَوَسَّلُ قَطْرَةَ مَاءٍ: "يَا أَبَتِ إِبْرَاهِيمُ، ارْحَمْنِي، وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيُبَلِّ طَرَفَ إِصْبَعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي" (لوقا 16: 24). تَتَحَقَّقُ هُنَا كَلِمَاتُ الْحِكْمَةِ: "هُوَذَا الَّذِي كُنَّا نَجْعَلُهُ ضُحْكَةً وَمَوْضُوعَ تَهَكُّمٍ… فَكَيْفَ أَصْبَحَ فِي عِدَادِ بَنِي اللهِ وَصَارَ نَصِيبُهُ مَعَ الْقِدِّيسِينَ؟" (حكمة 5: 4–7). الغنى يتحول فقرًا، والفقر غنى. ذَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ الْغَنِيَّ قَائِلًا: "تَذَكَّرْ أَنَّكَ نِلْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ، وَنَالَ لَعَازَرُ الْبَلَايَا. أَمَّا الْيَوْمَ فَهُوَ هُنَا يُعَزَّى وَأَنْتَ تُعَذَّبُ" (لوقا 16: 25). وَيُعَلِّقُ الْقِدِّيسُ أَمْبْرُوسْيُوس: "صَارَ الْغِنَى فَقْرًا، وَالْفَقْرُ غِنًى. فَقَدْ صَارَ الْغَنِيُّ فِي عَذَابٍ إِذْ حُرِمَ مِنَ الْمَلَذَّاتِ، بَعْدَ أَنْ كَانَ مُتْرَفًا، وَهُوَ الآنَ يَتُوقُ أَنْ يُبَلِّ الْفَقِيرُ طَرَفَ إِصْبَعِهِ بِمَاءٍ لِيُبَرِّدَ لِسَانَهُ". الهوّة العميقة بين العالمين. يُعْلِنُ إِبْرَاهِيمُ مَبْدَأَ انْقِلَابِ الأَوْضَاعِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيُضِيفُ: "بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هُوَّةٌ عَظِيمَةٌ، لِكَيْ لاَ يَسْتَطِيعَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْعُبُورَ مِنْ هُنَا إِلَيْكُمْ أَنْ يَفْعَلُوا، وَلاَ الَّذِينَ مِنْ هُنَاكَ يَجْتَازُونَ إِلَيْنَا" (لوقا 16: 26). إِنَّهُ الْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّحْمَةِ وَالدَّيْنُونَةِ. فَمَصِيرُ الإِنْسَانِ فِي الأَبَدِيَّةِ يَتَطَابَقُ مَعَ اخْتِيَارِهِ فِي الزَّمَنِ. مَنْ حَفَرَ هُوَّةَ الْعُزْلَةِ هُنَا، يَجِدُهَا هُنَاكَ أَبَدِيَّةً. وَمَنْ فَتَحَ بَابَ الْمَحَبَّةِ هُنَا، يَدْخُلُ مِنْهُ هُنَاكَ. العذاب المتعدد الأبعاد: عَذَابُ الْغَنِيِّ فِي الْهَاوِيَةِ كَانَ مُرَكَّبًا: عَذَابُ الْمُقَارَنَةِ بَيْنَ حَيَاتِهِ الْفَاخِرَةِ الْمَاضِيَةِ وَحَالِهِ الْبَائِسِ الْحَاضِرِ. عَذَابُ الْمُشَاهَدَةِ لِأَفْرَاحِ الْفُقَرَاءِ وَهُوَ مَحْرُومٌ مِنْهَا. عَذَابُ الإِحْسَاسِ بِغَضَبِ اللهِ وَبِعَدَمِ اسْتِجَابَةِ طَلَبَاتِهِ. عَذَابٌ بِلاَ رَجَاء، إِذْ يَرَى أَنَّ نِهَايَتَهُ أَبَدِيَّةٌ. وَأَيْضًا عَذَابٌ بِسَبَبِ أَخْوَتِهِ الَّذِينَ بَقُوا فِي الْعَالَمِ، إِذْ لَا سَبِيلَ أَنْ يُنْقَذُوا إِلاَّ بِالتَّوْبَةِ وَالإِيمَانِ. الْكِتَابُ الْمُقَدَّسُ يُحَذِّرُ: "لأَنَّ الدَّيْنُونَةَ لاَ رَحْمَةَ فِيهَا لِمَنْ لَمْ يَرْحَمْ" (يعقوب 2: 13). يُرِينَا الْمَثَلُ أَنَّ مَصِيرَنَا الأَبَدِيَّ هُوَ نَتِيجَةُ خِيَارِنَا الْيَوْمِيِّ. مَنْ يَبْنِ الْجُسُورَ مَعَ الْمُحْتَاجِينَ يَجِدْهَا فِي الأَبَدِيَّةِ طَرِيقَ خَلَاصٍ. وَمَنْ يَبْنِ الْهُوَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفُقَرَاءِ، يَجِدْهَا هُنَاكَ عَزْلَةً أَبَدِيَّةً. وَيُعَلِّقُ الْقِدِّيسُ إِيرِينِيئُوس: "إِنَّ النَّفْسَ الَّتِي تَرَكَتِ الْجَسَدَ تَبْقَى خَالِدَةً، تَعْرِفُ الْغَيْرَ وَتُعْرَفُ، إِمَّا فِي الْمَلَكُوتِ وَإِمَّا فِي جَهَنَّم". إِنَّ الْمَوْتَ لَا يُغَيِّرُ طَبِيعَةَ الإِنْسَانِ؛ فَمَنْ كَانَ مَعَ الْمَسِيحِ هُنَا، يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ هُنَاكَ. وَمَنْ عَادَاهُ هُنَا، يَبْقَى فِي عَدَاوَتِهِ هُنَاكَ. المَثَلُ يُعَلِّمُنَا أَنَّ الاِنْقِلاَبَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ فِي الأَبَدِيَّةِ: مَنْ تَكَبَّرَ وَتَغَافَلَ هُنَا، يُذَلُّ هُنَاكَ، وَمَنْ اتَّضَعَ وَاتَّكَلَ عَلَى اللهِ هُنَا، يُكْرَمُ هُنَاكَ. فَخِيَارُنَا الْيَوْمِيُّ يُصْبِحُ مَصِيرَنَا الأَبَدِيَّ |
| الساعة الآن 12:43 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025