![]() |
"حَمْلُ صَلِيبِهِ" أَنْ نَكُونَ فِي وَضْعٍ نَتَحَمَّلُ فِيهِ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَجْلِ المَسِيحِ
https://upload.chjoy.com/uploads/17502450344441.jpg حَمْلُ الصَّلِيبِ يَقُومُ المُطْلَبُ الثَّانِي لاِتِّبَاعِ يَسُوعَ عَلَى حَمْلِ الصَّلِيبِ. قَالَ يَسُوعُ: "وَمَنْ لَمْ يَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي، لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا" (لوقا 14: 27). فَفِي زَمَنِ المَسِيحِ، "حَمْلُ الصَّلِيبِ" مَعْنَاهُ أَنْ يَتَخَلَّى الإِنْسَانُ عَنْ حَيَاتِهِ، وأَنْ يَكُونَ مُسْتَعِدًّا لِلمَوْتِ، وَفِي النِّهَايَةِ أَنْ يَمُوتَ (لوقا 17: 33). فِي هَذَا المَعْنَى، يَعْنِي "حَمْلُ صَلِيبِهِ" أَنْ نَكُونَ فِي وَضْعٍ نَتَحَمَّلُ فِيهِ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَجْلِ المَسِيحِ، حَتَّى المَوْتَ. عَلَى التِّلْمِيذِ أَنْ يَقْبَلَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَحَمَّلَهُ كَوَسِيلَةٍ لِلتَّضْحِيَةِ بِنَفْسِهِ حَتَّى المَوْتِ. فَالتِّلْمِيذُ الحَقِيقِيُّ يَضَعُ نَفْسَهُ فِي مَوْقِفِ مَنْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالمَوْتِ، فَحَمَلَ أَدَاةَ تَعْذِيبِهِ وَمَوْتِهِ. قَبْلَ المَسِيحِ، كَانَ الصَّلِيبُ يُرْمَزُ إِلَى العَارِ وَالأَلَمِ. لَكِنَّ مَعَ المَسِيحِ أَصْبَحَ يَرْمُزُ أَوَّلًا إِلَى المَحَبَّةِ وَالتَّضْحِيَةِ وَالعَطَاءِ. فَدَعْوَةُ يَسُوعَ المُتَطَلِّبَةُ لِحَمْلِ صَلِيبِهِ وَرَاءَهُ، هِيَ فِي الأَسَاسِ إِحْدَى مُتَطَلَّبَاتِ الحُبِّ الإِنْسَانِيِّ نَفْسِهِ. فَمَنْ أَحَبَّ اللهَ أَكْثَرَ مِنْ نَفْسِهِ يَقْدِرُ عَلَى حَمْلِ الصَّلِيبِ: "مَنْ فَقَدَ حَيَاتَهُ فِي سَبِيلِي يَحْفَظْهَا" (مَتَّى 10: 39ب). صَلِيبُ المَسِيحِ هُوَ أَيْضًا أَعْظَمُ بُرْهَانٍ عَلَى مَحَبَّتِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا، وَهُوَ أَفْضَلُ تَعْبِيرٍ عَنْ هَذَا الحُبِّ الكَبِيرِ. فَكُلُّ أَنْوَاعِ الحُبِّ تَحْتَاجُ إِلَى لُغَةِ التَّضْحِيَةِ أَوِ الذَّبِيحَةِ، أَيْ الصَّلِيبِ. هَذَا المَوْقِفُ لَوِ اعْتَنَقْنَاهُ، قَدْ يُعَرِّضُنَا لِلاِحْتِقَارِ أَوْ عَدَمِ تَفَهُّمِ الآخَرِينَ أَوْ لِلسُّخْرِيَةِ أَوْ لِلنَّمِيمَةِ. وَلَكِنْ لاَ نَنْسَى أَنَّ يَسُوعَ بَعْدَ أَنْ حَمَلَ صَلِيبَهُ وَسُمِّرَ عَلَيْهِ، قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ. فَإِنْ كُنَّا نَتَقَبَّلُ مَا تَحْمِلُهُ لَنَا الحَيَاةُ مِنْ آلاَمٍ، اِنسِجَامًا مَعَ دَعْوَتِنَا المَسِيحِيَّةِ، نَكْتَشِفُ فِي حِينِهِ أَنَّ الصَّلِيبَ دَرْبٌ يَقُودُنَا إِلَى فَرَحٍ جَدِيدٍ، وَتَنْتَمِي إِلَيْهِ نُمُوُّنَا الرُّوحِيُّ وَيَثْبُتُ فِينَا مَلَكُوتُ اللهِ. فِي هَذَا الصَّدَدِ، أَكَّدَتِ الطَّبِيبَةُ إِرِيكَا فِيلِيلَا (مُؤَسِّسَةُ أَبْنَاءِ مَرْيَم): "إِنَّ الصَّلِيبَ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يُعْطِي مَعْنًى لِلأَلَمِ وَقُوَّةً لِلآمَلِ، فَيَثْبُتُ المُؤْمِنُ فِي إِيمَانِهِ وَفِي مَسِيرَتِهِ مَعَ المَسِيحِ. الصَّلِيبُ (أَيِ المَرَضُ وَالأَلَمُ) مَعَ المَسِيحِ هُوَ اِنتِصَارٌ". كَانَ الجُمْهُورُ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ إِلَى يَسُوعَ يُدْرِكُونَ تَمَامًا مَعْنَى "حَمْلِ الصَّلِيبِ". فَعِنْدَمَا كَانَ الرُّومَانُ يَسُوقُونَ مُجْرِمًا لِتَنْفِيذِ حُكْمِ الإِعْدَامِ، كَانُوا يُجْبِرُونَهُ عَلَى حَمْلِ الصَّلِيبِ الَّذِي سَيُعَلَّقُ عَلَيْهِ، إِلَى مَكَانِ التَّنْفِيذِ. وَهَذَا كَانَ يُظْهِرُ خُضُوعَهُ لِرُومَا، وَيُحَذِّرُ الآخَرِينَ أَيْضًا حَتَّى يَخْضَعُوا. وَيَسُوعُ، المَحْكُومُ عَلَيْهِ بِالصَّلْبِ، حَمَلَ صَلِيبَهُ إِلَى مَكَانِ التَّنْفِيذِ، كَمَا جَاءَ فِي إِنْجِيلِ يُوحَنَّا: "خَرَجَ حَامِلًا صَلِيبَهُ إِلَى المَكَانِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ مَكَانُ الجُمْجُمَةِ، وَيُقَالُ لَهُ بِالعِبْرِيَّةِ جُلْجُثَة" (يُوحَنَّا 19: 17). فَاتِّبَاعُ يَسُوعَ مَعْنَاهُ الخُضُوعُ الكَامِلُ لَهُ حَتَّى المَوْتِ. وَهَذَا يَتَطَلَّبُ مِمَّنْ يُرِيدُ أَنْ يَتْبَعَهُ أَلاَّ يَنْدَفِعَ فِي حِمَاسٍ سَطْحِيٍّ، بَلْ أَنْ يُدْرِكَ أَنَّ لِلاِتِّبَاعِ ثَمَنًا. وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ يُوحَنَّا الذَّهَبِيُّ الفَم: "إِنَّ السَّيِّدَ لاَ يُطَالِبُنَا أَنْ نَضَعَ صَلِيبًا مِنْ خَشَبٍ لِنَحْمِلَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنَّمَا أَنْ نَضَعَ المَوْتَ نُصْبَ أَعْيُنِنَا". فِي زَمَنِ آبَاءِ الكَنِيسَةِ، اِتَّخَذَتِ العِبَارَةُ "حَمْلُ الصَّلِيبِ" مَعْنًى رَمْزِيًّا. فَالصَّلِيبُ أَصْبَحَ اِسْتِعَارَةً تَدُلُّ عَلَى الأَحْدَاثِ الَّتِي تُضَايِقُنَا فِي حَيَاتِنَا، وَتُقْلِقُنَا وَتُؤْلِمُنَا. فِي هَذَا المَفْهُومِ، تَعْنِي عِبَارَةُ "حَمْلُ الصَّلِيبِ" الدُّخُولَ فِي مَخَطَّطِ اللهِ، وَالقَبُولَ بِسَخَاءٍ بِهَذِهِ الأَحْدَاثِ المُؤْلِمَةِ كَأَنَّهَا أَدَاةُ خَلاَصِنَا، وَكَأَنَّهَا وَسَائِلُ تُرْسِلُهَا العِنَايَةُ مِنْ أَجْلِ تَقَدُّمِ مَلَكُوتِ اللهِ. فَعِنْدَمَا نَحْمِلْ صَلِيبَنَا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ نَتْبَعْ يَسُوعَ حَقًّا. |
الساعة الآن 01:53 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025