![]() |
أصبح رمزاً لقدرة الإنسان على التشبث بالحياة
في صباحٍ قاتم من ديسمبر عام 1943، كانت القاذفة الأمريكية العملاقة B-24 Liberator تشق طريقها وسط سماء ألاسكا الملبدة بالغيوم. الرياح تعصف بجنو*ن، والثلوج تتساقط بلا رحمة، والبرد ين*هش كل شيء. لم يكن الركاب يدركون أن هذه ستكون آخر رحلة لهم… باستثناء رجل واحد. عندما فقدت الطائرة السيطرة وبدأت تهوي، لم يكن أمام الملازم ليون كرين سوى لحظة واحدة ليقفز، لحظة فصلت بين الحياة والمو*ت. قفز بالمظلة وسط دوامة من الجليد والصقيع، تاركاً خلفه زملاءه الذين ابت*لعتهم النير*ان والحطا*م. هبط ليون على أرض بيضاء قا*سية، في قلب برية ألاسكا المتجمدة، بلا طعام، بلا مأوى، وبلا أي وسيلة اتصال. لم يكن يملك سوى مظلته، وسكين جيب صغير، وعلبة كبريت بالكاد تكفي لأيام. أمامه طبيعة متو*حشة، وحرارة 40 درجة تحت الصفر، وصمتٌ ثقيل لا يسمع فيه سوى دقات قلبه المتسارعة. بدأت المعر*كة من أجل البقاء… كان ليون يشعل النيران ليلاً كي لا يتجمد، ويغفو وهو يحتضن أملًا صغيراً بالنجاة. كان يقطع المسافات سيراً فوق الأنهار المتجمدة والجبال الوعرة، يجر جسده المنهك خطوة بعد أخرى، لا يقوده إلا الإيمان بأن الحياة تستحق القت*ال. الجوع كان يفت*ك به، والبرد يهاجم عظامه، والوحدة تكاد تك*سر روحه. وبعد أيام من اليأ*س والضيا*ع، وقعت عيناه على ما بدا كالمعجزة: كوخ صيد مهجور وسط الغابة. داخله وجد مؤناً بسيطة—بسكويت، طعام معلب، وبطانية قديمة—وكأن القدر قرر أن يمنحه قبلة حياة. هناك، تنفس ليون لأول مرة بعمق، وعرف أن المو*ت ليس قدراً حتمياً. قضى أسابيع في الكوخ، يعيد ترتيب أفكاره، يستعيد بعض قوته، قبل أن يقرر استكمال الرحلة. لكن فبراير لم يرحمه… واجه ان*هيارات جليدية كادت تدفنه تحت الثلوج، وسقط في مياه متجمدة جعلت أطرافه على وشك التجمد. ورغم كل ذلك، قاوم. كان يمشي وهو يتحدث إلى نفسه ليبقي عقله يقظاً، وكان أحياناً يتخيل أصوات أحبائه كي لا يستسلم للجنون. 84 يوماً كاملة قضاها في عزلة مع الجوع والبرد والخو*ف. وفي النهاية، وبينما كاد الأمل ينطفئ، لمح كوخاً آخر… لكنه هذه المرة لم يكن خالياً. بداخله وجد بشراً، وجد الدفء، وجد النجاة. عاد ليون كرين إلى الحضارة بعد رحلة لا يصدقها عقل، رحلة صارت واحدة من أعظم قصص النجاة في التاريخ. لم يكن مجرد جندي عاد من الموت، بل أصبح رمزاً لقدرة الإنسان على التشبث بالحياة حتى عندما يبدو أن كل شيء انتهى. |
الساعة الآن 10:31 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025