![]() |
التَّجَلِّي هُوَ تَهيِئَةٌ لِلتَّلامِيذ لِيَتبَعوا يَسُوعَ عَلَى دَربِ الجُلجُثَّة
https://upload.chjoy.com/uploads/17502450344441.jpg تَثبِيتُ إِيمانِ الرُّسُل عَرَفَ التَّلامِيذُ أَنَّ يَسُوعَ سَيَصعَدُ إِلى أُورَشَليم لِيَتَأَلَّم: "بَدأَ يَسوعُ مِن ذلِكَ الحينِ يُظهِرُ لِتَلاميذِه أَنَّه يَجِبُ علَيهِ أَن يَذهَبَ إِلى أُورَشَليم ويُعانِيَ آلامًا شَديدةً مِنَ الشُّيوخِ وعُظَماءِ الكَهَنَةِ والكَتَبَة، ويُقتَلَ ويَقومَ في اليَومِ الثَّالِث" (متى ١٦: ٢١). فَأَرادَ يَسوعُ أَن يُهَيِّئَ الطَّريقَ نَحوَ جَسْمَانِيَّة والجُلجُثَّة وَالآلامِ وَالمَوت، فَأَظهَرَ سِرَّ شَخصِهِ أَمامَ تَلامِيذِه المُختارين، مُتَجَلِّيًا فِي لاهُوتِهِ مِن خِلالِ ثِيابِهِ المُتَلَألِئَة وَوَجهِهِ المُشِعِّ بِنُورٍ سَماوِيّ. إِذِ انفَرَدَ يَسوعُ بِتَلامِيذِه لِيُرِيَهُم أَنَّ طَريقَ الآلامِ هِيَ طَريقُ المَجد. ويَعلِّقُ القدِّيسُ أَفرام السُّريانيّ قائِلًا: "صَعِدَ بِهِم إِلى جَبَلٍ عالٍ لِيُظهِرَ لَهُم أَمجَادَ لاهُوتِه، فَلا يَتعثَّروا فِيهِ عِندَما يَرَونَهُ فِي الآلامِ الَّتي قَبِلَها بِإِرادَتِهِ، والَّتي احتَمَلَها بِالجَسَدِ مِن أَجلِنا". أَمَّا الباحِثُ الدُّكتور كامبِل مورجان فَيُعلِّقُ قائِلًا: "إِنَّ ما رآهُ التَّلامِيذُ لَم يَكُن بَهاءَ اللاهُوتِ بَل مَجدَ النَّاسُوتِ الكامِلِ الَّذي هو بلا خَطيئَة. وكانَ الرَّبُّ في تِلكَ اللَّحظَةِ مُستَعِدًّا لِلرُّجوعِ إِلى السَّماءِ بِدونِ المَوت، لأَنَّ المَوتَ نَتيجَةُ الخَطيئَة، وكانَ هو بِلا خَطيئَة. وَلٰكِنَّهُ لِلمَرَّةِ الثَّانِيَة وَلَّى ظَهرَهُ لِلسَّماءِ لِيَشتَرِكَ كإِنسانٍ فَأَكمَلَ في سِرِّ المَوتِ البَشَريّ". إِذًا، يُبَيِّنُ التَّجَلِّي لِلتَّلامِيذ أَنَّ سِرَّ المَسيحِ لا يَكمُنُ فِي المَجدِ فَحَسْب، بَل أَيضًا فِي الآلامِ وَالمَوت. فَـيَسُوعُ يَدخُلُ إِلى المَجدِ مُرورًا بِالمَوت، ويَجرُّ الإِنسانيَّةَ كُلَّها خَلفَه. ولِذٰلكَ فَالتَّجَلِّي يُسْنِدُ الإِنسانَ فِي حَملِهِ الصَّليبَ وَالشَّهادَةِ لِلسَّيِّدِ المَسيح. أَظهَرَ يَسُوعُ مَجدَهُ كَأَوَّلِ صُورَةٍ عَن مَجدِ القِيامَة. فَشَعَرَ بُطرُسُ في أَعماقِهِ أَنَّهُ أَمامَ حَدَثٍ عَظيم، فَقال: "يا رَبّ، حَسَنٌ أَن نَكونَ ههُنا. فَإِن شِئتَ نَصَبتُ ههُنا ثَلاثَ خِيَم: واحِدَةً لَكَ، وواحِدَةً لِموسى، وواحِدَةً لِإيليَّا" (متى ١٧: ٤). بَدا لِبُطرُسَ وَكَأَنَّ مَلكوتَ اللهِ قَد حَلَّ بِشَكلٍ نِهائِيٍّ عَلَى الأَرض. وَلَكِنَّهُ كَانَ قَد عاتَبَ يَسوعَ مِن قَبلُ لَمّا "بَدَأَ يُعَلِّمُهُم أَنَّ ابنَ الإِنسانِ يَجِبُ علَيهِ أَن يُعانِيَ آلامًا شَديدَة، وأَن يُرفَضَ مِنَ الشُّيوخِ وعُظماءِ الكَهَنَةِ والكَتَبَة، وأَن يُقتَل، وأَن يَقومَ بَعدَ ثَلاثَةِ أَيَّام" (مرقس ٨: ٣١). لَكِنَّ التَّلامِيذَ لَم يُصَدِّقوا مَا سَمِعوا عَن مَأساةِ الصَّليبِ وَمَوتِ مُعَلِّمِهِم. فَزَجَرَ يَسوعُ بُطرُسَ وَقالَ لَهُ: "انسَحِبْ وَرائي يا شَيطان! فَإِنَّكَ لِي حَجَرُ عَثرَة، لأَنَّ أَفكارَكَ لَيسَت أَفكارَ اللهِ بَل أَفكارُ البَشَر" (متى ١٦: ٢٣). وهُنا يُبَيِّنُ يَسوعُ الحَقيقَةَ العَميقَةَ: " (يوحنّا ١٢: ٢٤). فَالتَّجَلِّي هُوَ تَهيِئَةٌ لِلتَّلامِيذ لِيَتبَعوا يَسُوعَ عَلَى دَربِ الجُلجُثَّة وَرُؤيَةِ القَبرِ الفارِغ. وَيَقولُ أَفرامُ السُّريانيّ: "صَعِدَ بِهِم إِلى جَبَلٍ لِيُظهِرَ لَهُم مَلكوتَهُ قَبلَما يَشهَدوا آلامَهُ وَمَوتَه، فَيَرَونَ مَجدَهُ قَبلَ عارِه". وهٰكَذا ثَبَّتَ حَدَثُ التَّجَلِّي إِيمانَ التَّلامِيذ؛ فَلَولا ذٰلِك لَتَزَعزَعوا بَعدَ إِعلاناتِ يَسوعَ عَن صَليبِهِ (لوقا ٩: ٣١-٣٤). وَثَبَّتَ اللهُ إِيمانَهُم بقولِهِ: "هٰذا هُوَ ابنِيَ الحَبيبُ الَّذي عَنهُ رَضِيت، فلَهُ اسمَعوا" (متى ١٧: ٥). فَقَوَّى إِيمانَهُم بِيَسوعَ إِلهًا بِقولِهِ: «هٰذا هُوَ ابنِيَ الحَبيبُ»، ومُعَلِّمًا بِقولِهِ: «فلَهُ اسمَعوا». وفي الواقِع بَعدَ انتِهاءِ الرُّؤيَا بَقِيَ الإِيمان: "فَرفَعوا أَنظارَهم، فلَم يَرَوا إِلّا يَسوعَ وَحدَه" (متى ١٧: ٨). إِذًا، التَّجَلِّي كَانَ عَربونًا لِلقِيامَة وَتَثبِيتًا لِإِيمانِ الرُّسُل، بَينَ نُورِ المَجدِ وظُلمَةِ الصَّليب، ليَفهَموا أَنَّ طَريقَ المَجدِ يَمُرُّ ضَرورَةً بِطَريقِ الجُلجُثَّة. |
الساعة الآن 03:56 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025