![]() |
مَدْرَسَةُ صَلاةٍ
https://upload.chjoy.com/uploads/175500157893111.jpg مَدْرَسَةُ صَلاةٍ لا بدّ أنّ الرّبّ قد أعطاكم أن تكتشفوا مظاهر أخرى لهذا الجواب الأمين للعذراء الكلّيّة القداسة؛ مظاهر تطلّ علينا عفويًّا وتدعونا لاتّخاذها مثالاً: طهارتـها، وتواضعها، وقوّة طبعها، وكرمها، وإخلاصها … وإنّي أودّ أن أكلمكم عن واحدة منها، تحويها كلّها، إذ هي شرط للتّقدّم الرّوحيّ: حياة صلاة. فإذا أردنا أن نستفيد من النّعم الّتي تغدقها علينا أمّنا اليوم، وأن نتبع في كلّ آن إلهامات الرّوح القدس، راعي نفوسنا، علينا أن نتعلّق جدّيًّا بتطوير حياتنا الحميمة مع الله. إذ إنّنا لا نستطيع أن نتستّر بالخفاء. والحياة الباطنة إذا لم تكن لقاء شخصيًّا مع الله، فهي غير موجودة. فالسّطحيّة لا تمتّ إلى المسيحيّة بصلة. والقبول بالجمود في المقاومة النّسكيّة، يعني توقيع قرار إعدام النّفس المتأمّلة. إنّ الله يسأل عنّا واحدًا فواحدًا وعلينا أن نجيبه واحدًا تلو الآخر: “هاءنذا، إنّك دعوتني”. نحن نعلم أنّ الصّلاة تعني الحديث مع الله؛ لكن عن ماذا، رُبّما نسأل عن أمور الله، وعن تلك الّتي تملأ نـهارنا؟ عن ولادة يسوع، عن مسيرته على الأرض، عن آلامه المحيية، عن صليبه وعن قيامته. ثمّ، في حضرة الله الواحد المثلّث الأقانيم، وبشفاعة القدّيسة مريم والقدّيس يوسف، أبينا وسيّدنا – من أحبّ وأحترم كثيرًا – نتكلّم عن عملنا اليوميّ، عن عائلتنا، عن أصدقائنا، عن مشاريعنا الكبرى وعن حقاراتنا الصّغيرة. لذلك فموضوع صلاتي هو حياتي. هكذا أبدأ، وعندما أنظر في وضعي، يقفز طبيعيًّا قصد حازم وأكيد: أن أتغيّر، أن أصبح أفضل وأن أكون أكثر مِطواعًا لحبّ الرّبّ. قصد صريح، ملموس، يترافق دائمًا مع طلب مُلحّ، ملؤه الثقة، بالرّوح القدس، لئلاّ يتخلّى عنّا، “فإنّك أنت إله حصني”[17]. نحن مسيحيّون عاديّون، نمارس المهن الأكثر تنوّعًا ؛ نشاطاتنا تسلك طرقًا عاديّة ؛ كلّ شيء يجري حسب إيقاع متوقّع. أيّامنا تبدو متشابـهة كلّها، وكأنّها رتيبة … هذا صحيح، لكنّ هذه الحياة، الّتي تبدو عاديّة جدًّا، لها قيمة إلـهيّة ؛ إنّها تـهمّ الله، إذ إنّ رغبة المسيح تكمن في أن يتجسّد وسط اهتماماتنا، وينعش أعمالنا الأكثر وضاعة. تلك هي حقيقة فائقة الطّبيعة، بيّنة وبدون لبْس؛ إنّها مجرّد فكرة هدفها تعزية وتقوية أولئك الّذين لن يتوصّلوا إلى تسجيل أسمائهم في كتاب التّاريخ الذّهبيّ. إنّ المسيح يهتمّ بـهذا العمل الّذي يتوجّب علينا تحقيقه – ألف وألف مرّة – في المكتب، في المصنع، في المشغل، في المدرسة، في الحقول، عندما نمارس مهنة يدويّة أو فكريّة. فالمسيح يهتمّ أيضًا بـهذه التّضحية الخفيّة القاضية بعدم صبّ سمّ مزاجنا السيّئ على الآخرين. تفكّروا بذلك في الصّلاة. إنتهزوها فرصة لتقولوا ليسوع إنّكم تعبدونه، وهكذا تصبحون تأمّليّين كلّيًّا وسط العالم، وفي ضجيج الشّارع: وفي أيّ مكان. هذه هي الأمثولة الأولى الّتي نستطيع استخلاصها من علاقتنا الحميمة بيسوع المسيح. ومريم هي من بإمكانـها أن تعلّمنا تلك الأمثولة بالطّريقة الفضلى، لأنّ العذراء القدّيسة قد حافظت باستمرار على حالة الإيمان تلك، وعلى الرّؤيا الفائقة الطّبيعة تجاه كلّ من يجري حولها: “كانت تحفظ تلك الأمور كلّها في قلبها”. فلنتوسّل إليها اليوم لكيما تجعلنا تأمّليّين، وتعلّمنا فهم نداءات الرّبّ المستمرّة والمتكرّرة على باب قلبنا. فلنصلّ لـها: أمّاه، لقد جلبتِ لنا يسوع على هذه الأرض، وهو من كشف لنا حبّ الله أبينا؛ ساعدينا على اكتشافه، وسط الإنشغالات اليوميّة العديدة؛ علّمي فكرنا وإرادتنا أن يصغيا إلى صوت الله، وإلى نداءات النّعمة. |
الساعة الآن 01:15 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025