![]() |
الإنسان الثاني أعني الرب يسوع
https://upload.chjoy.com/uploads/173339206500121.jpg الإنسان الثاني الإنسان الثاني أعني الرب يسوع، نجده أيضًا حظي باهتمام وعناية الله به، تلك العناية التي رافقته من مولده حتى نهاية حياته! استمع إلى كلمات هذا الإنسان الكامل، موضوع عناية السماء، وهو يُخاطب أباه السماوي: «لأَنَّكَ أَنْتَ جَذَبْتَنِي مِنَ الْبَطْنِ. جَعَلْتَنِي مُطْمَئِنًّا عَلَى ثَدْيَيْ أُمِّي. عَلَيْكَ أُلْقِيتُ مِنَ الرَّحِمِ. مِنْ بَطْنِ أُمِّي أَنْتَ إِلَهِي» (مز22: 9، 10). ما أروع هذه الكلمات! وما أبدع المشاهد التي تُصوّرها لنا، والتي تُظهر بصورة راقية مدى حرص وعناية السماء بهذا المولود المميَّز! إن لكل طفل يولد يدين تستقبلانه قبل أن يواجه هذا العالم الجديد الذي خرج إليه، كما أن أول صوت يُسمع من أي طفل يُولد هو الصراخ والبكاء، إلا أن هذا الطفل البديع كان له شأن آخر، فاليدان اللتان استقبلتاه في هذه الحياة كانتا يدا الآب السماوي. وأكاد أُجزم إنه الطفل الوحيد الذي واجه الحياة بدون صراخ أو بكاء، وكيف يبكي وهو أُلقي من الرحم بين يدي الله القدير؟! وليس فقط يدا الآب السماوي جذبتاه من البطن، بل نراه أيضًا ينعم بالطمأنينة والهدوء والسلام وهو ما زال طفلاً على ثديي أمه. ما من شك أن يوسف والمطوبة مريم خالجهما كثير من الانزعاج والاضطراب وهما يهربان إلى مصر، ومعهما الصبي “يسوع” خوفًا من بطش هيرودس. وإن كان الجو المحيط بهما يبعث على القلق، إلا أننا لا نشك لحظة أن الوحيد الذي كان هادئًا ومطمئنًا في هذا المشهد هو ذاك الذي قال بروح النبوة: «جَعَلْتَنِي مُطْمَئِنًّا عَلَى ثَدْيَيْ أُمِّي»!! فكيف ينزعج وهو موضوع عناية واهتمام السماء؟! وإذ ننتقل إلى المشهد الثالث والذي يُعبِّر عن طابع حياته العام من مولده حتى نهاية حياته، فإننا نلمس عناية السماء به، وقد عبَّر هو عنها بالقول: «مِنْ بَطْنِ أُمِّي أَنْتَ إِلَهِي». تأمَّله .. رجل البراري، الذي قال يومًا: «لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ، وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ» (مت8: 20)، كيف كان يقضي لياليه بمفرده وسط مخاطر البراري على الجبل (مت14: 23؛ لو21: 37؛ يو6: 15)؟! إلا أنه كان يُدرك أنه محاط بعناية السماء، فانطبقت عليه كلمات المرنم: «اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ، فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ يَبِيتُ. أَقُولُ لِلرَّبِّ: مَلْجَإِي وَحِصْنِي. إِلَهِي فَأَتَّكِلُ عَلَيْهِ» (مز91: 1، 2). بل تأمله ليس وسط البراري فحسب، بل وسط البحر أيضًا، وليس في سكونه وهدوئه، بل في اضطرابه وهياجه، حتى إن تلاميذه، الذين كان أكثرهم رجال بحر، خارت قواهم وامتلئوا خوفًا وهلعًا، غير أننا نراه هو نائمًا على وسادة في مؤخَّر السفينة (مر4: 37، 38)، وكأن لسان حاله: «بِسَلاَمَةٍ أَضْطَجِعُ بَلْ أَيْضًا أَنَامُ، لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ مُنْفَرِدًا فِي طُمَأْنِينَةٍ تُسَكِّنُنِي» (مز4: 8). بل انظر إليه وهو الذي لم يملك يومًا دينارًا واحدًا، إلا أننا نراه من جهة لم يرتبك بخصوص معيشته، ومن الجهة الأخرى نرى السماء وقد دبَّرت هذا الأمر من خلال نساء لازمنه وارتبطن به، فنقرأ: «وَيُوَنَّا امْرَأَةُ خُوزِي وَكِيلِ هِيرُودُسَ، وَسُوسَنَّةُ، وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ كُنَّ يَخْدِمْنَهُ مِنْ أَمْوَالِهِنَّ» (لو8: 3). بل انظر إلى عناية الله به ليس فقط في حياته بل أيضًا في مماته .. كيف دبَّر له من يقوم بإكرامه، ففي تكفينه أحضر نيقوديموس «مَزِيجَ مُرٍّ وَعُودٍ نَحْوَ مِئَةِ مَنًا»، وفي دفنه هيَّأ يوسف الذي من الرامة «قَبْرًا جَدِيدًا لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ» (يو19: 38-41). وإن تساءلنا: ما الغرض من إظهار تلك العناية الفائقة بهذا الشخص المجيد؟ نقول ليس ليعلن خضوعه وطاعته للسماء، كما هو الأمر مع آدم الأول، إذ إنه لم يكن بحاجة لِما يُحفِّزه لطاعة الآب، إذ كان بحق الطائع الفريد الذي وُجد على الأرض، وهو الذي قال: «طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ» (يو4: 34)، بل في سبيل إظهار طاعته للآب ذهب إلى الصليب وقَبِل أن يموت، إذ «أَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ». وإن كان آدم الأول في طاعته لم يكن يفعل شيئًا فوق العادة، إذ على الجبلة أن تخضع لجابلها، إلا أن الأمر يختلف تمامًا مع الرب يسوع، إذ «مَعَ كَوْنِهِ ابْنًا تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ» (عب5: 8). كلا، ليس ليظهر خضوعه وطاعته للآب، بل ليظهر مدى تقدير وإعزاز السماء لذلك الشخص الفريد. |
الساعة الآن 06:17 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025